للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن طَلَّقَ ثلاثًا أو اثنتَيْنِ بكلمةٍ واحدةٍ، فقدِ اختلَفَ العلماءُ في وقوعِ هذا الطلاقِ:

القولُ الأوَّلُ: تقَعُ طَلْقةً واحدةً؛ وهو قولُ طاوُسٍ ومحمَّدِ بنِ إسحاقَ والحَجَّاجِ بنِ أرطاةَ، وهو قولٌ لأحمدَ قال به أهلُ الظاهرِ، وذهَبَ إليه ابنُ تيميَّةَ.

وهو قولٌ ثابتٌ لبعضِ السلفِ، وبعضُهم يَنْفِيهِ؛ وليس كذلك، وقد ترجَمَ البخاريُّ في "صحيحِه" مثبِتًا له، فقال: (بابُ: مَن جَوَّزَ الطلاقَ الثلاثَ) (١)، ويُنسَبُ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ وابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عوفٍ؛ لِمَا روى مسلمٌ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ ابنِ طَاوُسٍ، عن أَبِيهِ؛ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتِ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ" (٢).

وذلك أنَّ الشريعةَ لم تجعَلِ العَدَدَ إلَّا لحِكْمةٍ؛ وهي التربُّصُ ودفعُ المشقَّةِ؛ وهذا يُلْغِي الأخذَ بحِكْمةِ اللهِ الظاهرةِ، ويعطِّلُ حكمًا شرعيًّا، وهو اعتبارُ العدَدِ المقصودِ منه في الآيةِ.

التطليقُ عددًا ورقمًا:

وذِكْرُ الأعدادِ رَقْمًا لا يُعتَبَرُ إلَّا بإلحاقِها وَصْفًا وعَدًّا؛ كما جاء في الشَّرْعِ؛ فمَن رَمَى الجِمَارَ بسَبْعِ حصَيَاتٍ مرَّةً واحدةً، عُدَّت واحدةً، ومَن قال: "سُبْحانَ اللهِ" مِئَةً، لم يكُنْ مسبِّحًا مِثْلَ مَن سبَّحَ مِئةً مكرِّرًا لها، ولو حلَفَ أن يسبِّحَ مِئةً، لم يُجْزِئْهُ إلَّا تَكْرارُها، لا ذِكرُها رَقْمًا.

ويظهرُ أنَّه لو طَلَّقَ الرجلُ زوجتَهُ في عِدَّةِ طَلْقةٍ واحدةٍ طلقةً أخرى:


(١) "صحيح البخاري" (٧/ ٤٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٧٢) (٢/ ١٠٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>