وفي قولِه تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ دليلٌ على أنَّ حقَّ اللهِ في المهرِ أعظَمُ مِن حقِّ الزوجة، وأنَّ الزوجةَ لا تَملِكُ إسقاطَ جميعِ مَهْرِها ولو كان بِطِيبِ نفسٍ منها؛ ولذا قال: ﴿طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ﴾ , فلا يجوزُ للمرأةِ أن تُسقِطَهُ كلَّه، ولكنْ لها أنْ تُسقِطَ منه؛ فاللهُ شرَعَهُ لتُحفَظَ به الحقوقُ، وتُكرَمَ به المرأةُ، وحتى لا يُتَّخَذَ إباحةُ إسقاطِ المرأةِ للمهرِ ذريعةً لإلغائِهِ كلِّه في العقود، فأجاز اللهُ لها إسقاطَ بعضِهِ لا كلِّه.
إسقاطُ المرأةِ لبعضِ مَهْرِها:
وفي قولِه تعالى: ﴿عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ تحريمُ أخذِ المالِ بالإكراهِ وبسيفِ الحياء، ولو أظهَرَتِ الرضا؛ لحيائِها أو خوفِها، وقد حَكَى غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ: أنَّ ما أُخِذَ مِن المالِ بسيفِ الحياءِ, فهو حرامٌ؛ لأنَّ الحياءَ, يَغْلِبُ بعضَ النفوس، فتهابُ مَعَرَّةَ الإمساك، فلا تُحِبُّ الذمَّ، فإذا أُخِذَ الحقُّ تخويفًا مِن كلامِ الناس، أو تهيبًا مِن معرَّتِهم وذمِّهم، فالمأخوذُ حرامٌ، وسيفُ الحياءِ كسيفِ الإكراه، وكلُّها مَعَانٍ تقومُ في النفسِ تدفَعُ صاحِبَها إلى بذلِ ما لا يُريدُ بَذْلَهُ لو كان مختارًا.
فإذا لم تَملِكِ الزوجةُ إسقاطَ المَهْرِ كلِّه، فوَلِيُّها مِن بابِ أَولى؛ لأنَّه حقٌّ للهِ رخَّصَ لهم بإسقاطِ بعضِهِ لا كلِّه، والتراضِي على الإسقاطِ لا يُجِيزُ الإسقاطَ؛ كالتراضِي بينَ الطرَفَيْنِ على الرِّبا لا يُجِيزُهُ.
المهرُ المؤخَّر:
وفي قولِه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ دليلٌ على جوازِ تأخيرِ بعضِ المهرِ بعدَ الدخولِ أو عندَ الطلاق، وهو ما يعتادُهُ بعضُ الناسِ