للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاختلافُ منه ما هو مذمومٌ في كلِّ زمانِ ودي كلِّ مكان، وهو الاختلافُ على الحقِّ البيِّن، والأصلِ الواضح، ومِن الاختلافِ ما هو سائغٌ جائزٌ، كما يختلِفُ السلفُ على مسائلِ الدِّين، وهذا اختلافٌ لا يشُقُّ صَفَّ الأُمَّة، وهو مِن بابِ السَّعة، وقد لا يُناسِبُ زمانًا أو حالًا، لا لِذَاته؛ وإنَّما لِما يُحِيطُ له مِن أحوالٍ، وما يَتْبَعُهُ مِن لوازمَ، والعاقلُ يُدرِكُ مواضعَ الخلافِ ومِقْدارَ أثرِهِ على أصلِ جماعةِ المؤمنِينَ، فمِن الخلافِ: ما هو سائغٌ في ذاتِه، ولكنَّ الزمانَ والحالَ لا يَحتمِلُه؛ لِضِيقِ النفوس، وتربُّصِ العدوَّ الأقربِ المنافِقِينَ، والعدوِّ الأَبعدِ الكافرِينَ.

آثارُ الاختلافِ:

ومِن أعظَمِ آثارِ الاختلافِ والتفرُّقِ: ذَهَابُ النصرِ، وتسلُّطُ العدوِّ؛ فإنَّ الكفرَ لا يتسَلَّطُ على المُسلِمينَ إلَّا بسببِ تفرُّقِهم، فيُقاتِلُهُمْ مُنفرِدِينَ وهو مجتمِعٌ، ولم يَنتصِرْ عليهم لضَعْفٍ فيهم؛ وإنَّما لتفرُّقِهم، فالقويُّ المتفرِّقُ بَغلبُه الضعيفُ الجتمِعُ؛ قال مجاهدٌ: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}؛ قال: "نصرُكُمْ"؛ قال: "وذهَبَتْ رِيحُ أصحابِ محمَّدِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ نازَعُوهُ يومَ أُحُدٍ" (١).

وأصلُ نِزاع الأُمَّةِ بسببِ ذُنوبِها؛ تختلِفُ قلوبُها، ثم تختلِفُ أبدانُها وإنْ أصَّلَتْ وقعَّدَتْ لنفسِها الخلافَ بالحُجَجِ والبيِّناتِ؛ فكثيرًا ما تدخُلُ الأهواءُ على النفوسِ فتسلُكُ طريقًا، ثم تحتجُّ لذلك الطريق مِن القرآنِ والسُّنَّةِ والأثر، وهكذا نزاعُ عامَّةِ الفِرَقِ والطوائفِ والجماعاتِ في الإسلامِ؛ ولذا ذكَرَ اللهُ بعدَ نَهْيهِ عن الافتراقِ أمورًا باطنًة سيَّرَتِ


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٢١٥)، و" تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>