وهذا الاختلافُ تنوُّعٌ لا تضادٌّ، ومَن نظَرَ في عمَلِ السَّلَف، وجَدَ مِنهم مَن يُفتي وَيعمَلُ بأكَثرَ مِن صِفَةٍ؛ وذلك لاخلافِ الحال، كما كان حُذَيْفةُ وجابرٌ يَجعَلونَ صلاةَ الخوفِ ركعةً، ومرَّةً يَجعَلونَها ركعتَيْنِ.
صلاةُ المغرِبِ عند الخوفِ:
وهذا في حميعِ الصَّلواتِ بلا فَرقٍ عندَ السَّلَفِ بينَها، إلَّا المَغرِبَ، فإن لم يَكُنِ الإنسانُ في حالِ المُسايَفةِ والمُطارَدة، فيُصلِّيها ثلاثًا؛ لأنَّها لا تُقصَرُ، وبهذا قال الحسَنُ والأشعثُ بن عبدِ الملِكِ والثَّوْريُّ، ولا مُخالِفَ لهم.
وإن كان في حالِ المسايَفةِ والمُطارَدة، فيُصلِّيها واحدةً، وتُجزِئُ عنه؛ فإنَّه إنْ جازَ أن تُجعَلَ الرُّباعيَّةُ واحدةً مع أنَّها لا تُقصَرُ على ذلكَ في السفر، فالثُّلاثيَّةُ مِن بابِ أَوْلى، ولأنَّ الصلاةَ قد تسقُطُ كلُّها، ويُكتَفى بالذِّكرِ عندَ التِقاءِ الزَّحفَيْن، وضَرْبِ الناسِ بحضِهم بعضًا، وعدَمِ معرفةِ وقتِ الخلاصِ، فإذا حضَرَتِ الصلاةُ والحالُ هذه، فيُكتَفى بالتسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ والتكبيرِ؛ وبهذا قال سعيدُ بن جُبَيْرٍ وأبو البَختَريِّ وأصحابهما، وكانوا يَقولونَ:"فِتلكَ صَلاتُك ثُمَّ لا تُعِدْ"؛ أخرَجَهُ ابن أبي شَيْبةَ (١).