للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَوْ دَخَلْتُمُوهَا، مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبدًا؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعرُوفِ) " (١).

الفرقُ بين ولايةِ المسلمِ والكافِرِ:

وفي توجيهِ الخِطابِ للمؤمنينَ: دليلٌ على أنَّ الطاعةَ مِن المؤمنينَ للمؤمنينَ، لا مِن المؤمنينَ للكافرِينَ، فلا يُطاعُ الكافرُ تديُّنًا وعبادةً؛ وإنَّما يُطاعُ في الحقوقِ والأماناتِ للمصلحةِ لا تديُّنًا، ويأثَمُ المُخالِفُ بحسَبِ وُرُودِ المفسدةِ مِن فِعلِهِ ووقوعِ الضررِ على غيرِه، ولمَّا أطلقَ اللهُ الطاعةَ لأُولي الأمر، دلَّ على أنَّ المقصودَ ولايةُ المسلمِ؛ لأدلةٍ مِن هذه الآيةِ:

الأوَّل: أنَّ الخطابَ للمؤمِنينَ، والتكليفَ منهم إليهم؛ ويدُلُّ على هذا أن الله قال: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾؛ يعني: مِن المؤمنينَ، لا مِن غيرِهم.

الثَّاني: أنَّ اللهَ جعَلَ الطاعةَ لأُولي الأمرِ بعدَ طاعتِهِ وطاعةِ نبيِّه؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ مخالَفَةِ أُولي الأمرِ المؤمنينَ لأمرِ اللهِ؛ لأنَّهم تبعٌ له.

الثالث؛ أنَّ اللهَ قرَنَ طاعةَ أولي الأمر بطاعةِ النبيِّ ، فجعَلَ الله طاعتَهُ بأمرِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾، ثم جعَلَ طاعةَ النَّبيِّ والأولياءِ بأمرٍ واحدٍ: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾؛ إشارةً إلى أنَّ وِلَايتَهُم هي كولايةِ النبيِّ، وهي الإيمانُ باللهِ والانقيادُ له، وولايتُهم فرعٌ عن ولايةِ النبيِّ .

الرابعُ: أنَّ اللهَ أمَرَ عندَ النِّزاعِ بالرجوعِ إلى اللهِ والرسولِ في قولِه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، والأمرُ للآمِرِ والمأمور، ولا ينصرفُ ذلك إلَّا إلى المؤمنينَ.

الخامسُ: أنَّ اللهَ بعدَ ذِكرِ وجوبِ الرجوعِ عندَ النِّزاعِ إلى حُكم اللهِ والرسولِ شَرَطَ الإيمان في قولِهِ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، وهذا الشرطُ للمتنازِعِينَ حُكَّامًا ومحكومينَ.


(١) أخرجه أحمد (٦٢٢) (١/ ٨٢)، والبخاري (٤٣٤٠) (٥/ ١٦١)، ومسلم (١٨٤٠) (٣/ ١٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>