كفَرَ، ولكن يُؤجَرُ المطيعُ للحاكِم، لا لِذَاتِ الفعلِ المُباحِ الذي أُمِرَ به، ولا لِذَاتِ التركِ للمباحِ المنهيِّ عنه؛ وإنَّما لمآلِهِ ومقدارِ انتفاعِ النَّاسِ به، ودفعِ المفاسِدِ عنهم به، ومتى انتَفَتِ المصلحةُ منه، تُرِكَ، فلا يجوزُ للحاكِمِ الأمر به ولا النهيُ عن ضدِّه، ومَن ترَكَ مِن الرعيَّةِ أمرَ الحاكمِ؛ لأنَّه يَرى أنَّ المفسدةَ في حقِّه مُنتفِيةٌ عندَ تركه وتيقَّنَ من ذلك، لم يكنْ آثِمًا لمجرَّدِ تَركِه؛ وإنَّما لوقوعِ المفسدةِ اللاحِقةِ من تركِهِ للأمرِ أو فعلِهِ للنهيِ لو وقعَت؛ لأنَّه لا يُثابُ على فعلِ المأموراتِ نفسِها، ويُؤَثَّمُ على تركِ المنهيَّاتِ نفسِها، إلَّا إن كان الآمِرُ والناهي هو اللهَ، ولو لم تتَّضِحْ للعبدِ الحِكمة مِن الأمرِ والنهيِ.
ولا تُترَكُ طاعةُ الأميرِ لمجرَّدِ الظنِّ بعدمِ وُرُودِ المفسدةِ من مخالفتِه؛ لأنَّ هذا البابَ لو فُتِحَ، لَوُكِلَ العامَّةُ إلى ظنونِهم وأهوائِهم؛ ففسَدَ أمرُ النَّاسِ واجتماعُهم؛ لِعَمَلِ كلِّ واحدٍ بظَنِّهِ لمصلحتِهِ وهواهُ، وتعطَّلَ الأمرُ، وفسَدَتْ ولايةُ السُّلْطان، وضعُفت هيبتُهُ في النفوسِ.
ولا يُطاعُ السُّلْطانُ في معصيةِ الله، ومَن أطاعَهُم في معصيةِ الله، أثِمَ؛ ففي "المسندِ"، و "الصحيحَيْن" عن عليٍّ؛ قال: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَرِيَّةً، وَاستَعمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا من الأنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ: وَجَدَ عَلَيْهِم في شَيْءٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُم: ألَيس قَد أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ أن تُطِيعوني؟ قَالَ: قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: اجمَعُوا حَطَبًا، ثُمَّ دَعَا بنَار، فَأضْرَمَهَا فِيه، ثُمَّ قالَ: عَزَمْتُ عَلَيكُمْ لتَدخُلُنَّهَا، قَالَ: فَهمَّ القَوْمُ أن يَدْخُلُوهَا، قَالَ: فقَالَ لَهُم شَابٌّ مِنهُم: إِنَّمَا فَرَرتُم اِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنَ النَّار، فَلَا تَعجَلُوا حَتَّى تَلقَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَإن أمَرَكُمْ أن تَدخلُوهَا، فَادخُلُوهَا، قالَ: فَرَجَعُوا إِلَى النَّبيِّ ﷺ، فَأخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: