الثاني: مُكتسَبٌ، وهو طلبُ الرِّزْقِ والنفقهُ، وهذا يجوزُ للمرأةِ فِعْلُه، لكنَّه لا يجبُ عليها؛ وإنَّما يجبُ على وليِّها، فإنْ فقَدَتِ المرأةُ وليًّا، أُعْطِيَتْ مِن بيتِ المالِ ومِن الزَّكاةِ ولو كانتْ قادرةً على العملِ؛ لأنَّها لم تُخاطَبْ بالكَسْب والعملِ ولم تُؤمَرْ به كالرجُلِ.
روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال "فَضَّلَهُ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهِ وَسَعْيِهِ"؛ وبنحوِه قال الشَّعْبيُّ وسُفْيانُ (١).
وذِكرُ اللهِ لفَضْلِ الرجُلِ على المرأةِ في سياقِ القِوَامةِ إشارةٌ إلى أنْ لا قوامةَ لرجُلٍ لا يقومُ بسببِ قِوامتِه، وهو الفضلُ الفِطْريُّ والمُكتسَبُ، فالذي لا يعملُ بالفضلِ الفِطْريِّ وهو القوةُ، فيَرْعَى المرأةَ وَيحمِيها مما يُخافُ منه، ولا يبذُلُ ما يَكتسِبُهُ مِن مالِ فيَكْفِيها ويُنفِقُ على زوجتِه -: لا ولايةَ له عليها، فتكون ولايتُها إمَّا لأبيها أو للسُّلْطان، ويُفسَخُ النَّكاحُ إنْ شاءتْ، ما لم تُسقِطْ حَقَّ النفقةِ عنه.
والأصلُ في القِوامةِ: أنَّها حَقٌّ يُبذَلُ مِن الزوجِ لزوجتِهِ مُقابِلَ حقُّ منها يُبذَلُ له؛ فهي مُكافَأةٌ ومُقابَلةٌ؛ ولذا قال معلِّلًا حَقَّ الِوامةِ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، وكلَّما كان الواحدُ منهما أشَدَّ عفوًا وصَفْحًا وإحسانًا، فهو أكَرَمُ وأفضَلُ.
حقيقةُ النشوزِ من الزوجةِ:
ولمَّا ذكَرَ اللهُ القِوَامةَ للرجُلِ، ذَكَرَ نُشُوزَ الزوجةِ؛ إشارةً إلى أنَّ النشوزَ الذي يُعالَجُ مِن الزوجِ النشوزُ الذي ينشَأُ مع تمامِ إعطاءِ حقِّ القِوَامةِ على الزوجةِ بالنفقةِ والحِمَاية، لا ما يكونُ مِن نشوزٍ سببُهُ تعطيلُ حقِّ القِوَامةِ؛ فذلك يُعالَجُ بالوفاءِ بها وبَذْلِها.
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٦٩٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٩٤٠).