للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى "سقَطَتْ"؛ يعني: نُسِختْ؛ إمَّا أنَّها قد نزَلَتْ لفظًا ومعنًى، فنُسِخَتْ جميعًا، أو أنَّها نزلَتْ مفسَّرةً بالتَّتابُعِ، ثم نُسِخَ الأمرُ بها، وإلَّا فإنَّ الأمرَ المجرَّدَ في قولِه: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ لا يُفهَمُ منه صراحةً الأمرُ بالتتابُعِ وحدَه؛ وإنَّما يُؤخَذُ منه الإحصاءُ.

وبعضُ آيِ القرآنِ يَنْزِلُ ويَتْبَعُهُ تفسيرُهُ وبيانُهُ؛ وذلك في المواضعِ التي تحتاجُ إلى زيادةٍ على الحكمِ الظاهرِ؛ ولذا قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٨, ١٩]، وبيانُ القرآنِ بنزولِهِ أصلًا على لغةِ قريشٍ، وأفصَحُ مَن يَفْهَمُها نبيُّ اللهِ ، وما احتمَلَ معنَيَيْنِ صحيحَيْنِ لغةً ونزَلَ القرآنُ على أحدِهما بيَّنه اللهُ لنبيِّهِ إحكامًا وبيانًا، وما خَرَجَ عن ذلك، فهو مِن مواضعِ السَّعَةِ والرَّحمةِ بالأمَّةِ.

تأخيرُ قضاءِ الصومِ:

وأمَّا المريضُ والمسافِرُ، فإنَّه يقضي ذلك اليومَ، لان لم يَقْضِ وهو مستطيعٌ للقضاءِ، حتَّى أتى عليه رمضانُ القادمُ؛ فهل يأثمُ أم لا؟

اتَّفَقَ العلماءُ: على أنَّه ينبغي المبادَرَةُ والمسابَقَةُ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يَعلَمُ ما يَعرِضُ له، لكنَّهم اختلَفُوا في الإثمِ، وهل يَجِبُ عليه أنْ يقضيَ قبلَ إتيانِ رمضانَ القادمِ؟ على قولَيْنِ للعلماءِ:

ذهَبَ جمهورُ العلماءِ، وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ: إلى أنَّه يجبُ القضاءُ قبلَ رمضانَ القادمِ؛ وذهبَ إلى هذا عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عُمرَ، وغيرُهما.

وذهب ابنُ مسعودٍ، والنَّخَعيُّ، والحسنُ، وطاوسٌ، وحمادُ بنُ أبي سُلَيْمانَ، والبخاريُّ، وابنُ حَزْمٍ، وهو قولٌ لأبي حنيفةَ: إلى أنَّه لا يأثمُ، ويجوزُ أن يؤخِّرَهُ إلى ما بعدَ ذلك؛ وهو الصوابُ.

ولا دليلَ على وجوبِ القضاءِ قبلَ أنْ يأتيَ رمضانُ القادمُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>