الوقوفُ بعَرَفةَ والمبيتُ والنحرُ وأيامُ مِنًى وغيرُها ممَّا عُيِّنَ، في غيرِ أشهُرِ الحجِّ، فهو باطلٌ بلا خلافٍ؛ بل مَنْ قال بِصِحَّتِها في غيرِ أيَّامِها, فهو كافرٌ؛ لإنكارِهِ معلومًا مِن الدينِ بالضرورةِ، وأمَّا الإهلالُ بالحجِّ مِن غيرِ المواقيتِ المكانيَّةِ، فلا يُبطِلُ الحجَّ؛ وإنَّما يأثَمُ صاحِبُهُ بلا خلافٍ؛ وإنَّما الخلافُ في وجوبِ الدمِ عليه.
ثمَّ قال تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾؛ أيْ: مَن أوجَبَهُ على نفسِهِ ودخَلَ فيه، وجَبَ عليه اجتنابُ ما نَهَى اللهُ عنه، وفِعْلُ ما أمَرَ اللهُ به، وله الترخُّصُ برُخَصِ اللهِ فيه.
حكمُ عقد نيَّةِ الحجِّ من أشهر الحج:
وفيه أهميةُ عَقْدِ نيةِ الحجِّ في أشهُرِهِ؛ وهذا ظاهرٌ مِن قولِه: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾، واختلَفَ العلماءُ في عَقْدِ النيةِ قبلَ أشهرِ الحجِّ وانتظارِ الحجِّ:
القولُ الأولُ: ما ذهَبَ إليه جمهورُ العلماءِ؛ وهو أنَّ الإحرامَ صحيحٌ؛ وهو خلافُ الأَوْلى؛ وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ.
وأنَّ اللهَ إنَّما ذكَرَ أفضَلَ الأحوالِ، ولم يَفرِضْها، فمَن أَحْرَمَ مِن بيتِ المَقْدِسِ أو مِن الصِّينِ أو مِن الأندلس في رمضانَ أو قبلَهُ وسارَ، فحجُّهُ صحيحٌ ولو أحرَمَ قبلَ الميقاتِ المكانيِّ والزمانيِّ جميعًا؛ فقد رخَّصَ اللهُ بالإهلالِ في جميعِ الأشهرِ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩].
القولُ الثاني - وهو قولُ الشافعيِّ -: أنَّ الإهلالَ للحجِّ لا يصحُّ إلا في أشهُرِهِ؛ لظاهرِ التقييدِ في الآيةِ، وعندَهُ: أنَّ مَن أهَلَّ قبلَ أشهرِ الحجِّ، لم يَنعقِدْ إحرامُهُ، وعنه قولانِ في انقلابِهِ إلى عُمْرةٍ؛ ورُوِيَ هذا القولُ عن جماعةٍ مِن السلفِ مِن الصحابةِ والتابعِينَ.