للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ إشارةٌ إلى الحُكْمِ المخفَّف، فسمَّاهُ سبيلًا، وهو الجَلْدُ والتغريبُ والرَّجْمُ؛ كما قاله ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه.

قال ابنُ عبَّاسٍ : "كان الحُكْمُ كذلك، حتى أنزَلَ اللهُ سورةَ النور، فنسَخَها بالجَلْدِ أو الرجمِ"، وكذا رُوِيَ عن عِكْرِمةَ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ والحسنِ وعطاءٍ الخراسانيِّ وأبي صالحٍ وقتادةَ وزيدِ بنِ أسلَمَ والضحَّاكِ: أنَّها منسوخةٌ، وهو أمرٌ متَّفقٌ عليه (١).

روى مسلمٌ، عن عُبَادَةَ بنِ الصامت، عن النبيِّ ؛ قال: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ) (٢).

وقولُه: تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ هو التوبيخُ واللَّوْمُ، وفي هذا أنَّ التوبيخَ واللومَ والتَّعْيِيرَ عقوبةٌ لا تَنزِلُ إلا على ذنبٍ؛ وكلَّما كان الذنبُ أشَدَّ، كان الأَذَى باللسانِ أشَدَّ.

وقال بعضُ السلفِ: "إنَّ الأذى في الآيةِ يدخُلُ فيه الضربُ باليدِ والنِّعالِ"؛ صحَّ ذلك عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ (٣).

تأديبُ فاعلِ الفاحشةِ:

وفيه: جواز إلحاقِ الأذى بفاعِلِ الفاحشةِ؛ فيؤدَّبُ باللسانِ واليدِ ممَّا لا يَصِلُ إلى الحدِّ؛ ردعًا له وتوبيخًا وتشنيعًا له على عملِه، ومَن عَلِمَ وتيقَّنَ بزِنى رجلٍ أو امرأةٍ، وغلَبَ على ظنِّه عدمُ إقامةِ السُّلْطانِ الحَدَّ عليهما لو رفَعَهما إليه، جاز له إلحاقُ الأذى بهما بالتوبيخِ واللومِ والضربِ باليدِ تأديبًا لهما.


(١) "تفسير ابن كثير" (٢/ ٢٣٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٩٠) (٣/ ١٣١٦).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٠٣)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>