وذهَبَ مالكٌ: إلى أنَّ صلاةَ الخوفِ مختصَّةٌ بالسَّفرِ؛ لظاهرِ الآيةِ في قولِه: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النساء: ١٠١]؛ وبه قال ابنُ الماجِشونِ.
والأصحُّ الأَوَّلُ، والآيةُ عُلِّقَت بالأغلبِ؛ أنَّ مواجَهةَ العدوِّ تكونُ في غيرِ بلَدِ المُسلِمِينَ، وأنَّها في السَّفَر، فالأصلُ في المُسلِمِينَ حمايةُ بُلْدانِهم ومعرفةُ قُرْبِ عدوِّهم وبُعْدِه، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الجهادَ والقتالَ يكونُ في بُلْدانِ العدوِّ، لا بُلْدانِ المُسلِمِينَ لِمَن أقامَ شريعةَ الجهادِ كما أمَرَ اللهُ بها، والخِطَابُ لِمَن أقامَها، لا لِمَن عطَّلَها فأذَلَّهُ اللهُ حتَّى أصبحَ يأتيه العدوُّ في دارِه.
والشريعةُ لا تُخاطِبُ المقصِّرَ في الحقِّ، وتخفِّفُ عليه العملَ لِيَزدَادَ هَوَانًا وذُلًّا ودَعَةً، فإن كانَتْ حالُهُ كذلك، فلَوْمُهُ وتقريعُه ووعيدُهُ أوْلَى مِن مُخاطبَتِهِ بالتخفيفِ؛ حتَّى لا يَظُنَّ أنَّ فِعلَهُ سائغٌ جائزٌ، وهو أحْوَجُ إلى تَدارُكِ ما فاته مِمَّا فرَّط فيه، مِن حاجتِه إلى التيسيرِ عليه؛ فالشريعةُ لم تُلْغِ أصلَ التيسيرِ؛ وإنَّما رتَّبتِ الخِطابَ بمقدارِ الحاجةِ وأولويَّتِها، وإلَّا فَإنْ قُدِّرَ أنَّ بلدًا مِن بُلْدانِ المُسلِمينَ فاجَأهُ عدوٌّ على حينِ غِرَّةٍ وخافوهُ واحتاجُوا لِصلاةِ الخوف، صَلَّوْها، والله أعلَمُ.
صلاةُ الخوفِ وغزوةُ الخندقِ:
وتأخيرُ النبيِّ ﷺ لصلاةِ العصرِ حتَّى غرَبَتِ الشمسُ في غزوةِ الخندق، وقولُ بعضِهم: إنَّ صلاةَ الخوفِ لو كانَتْ جائزةً للحاضِرِ لَصَلَّاها النبيُّ - صلي اله عليه وسلم - ولم يُؤخِّرِ العصرَ، وغزوةُ الخندقِ ليسَتْ سَفَرًا؛ وإنَّما في ناحيةِ المدينةِ:
فيُقالُ: إنَّ صلاةَ الخوفِ شُرِعَت في غزوةِ ذاتِ الرِّقَاع، وقدِ اختُلِفَ في زمَنِ وقوعِ غزوةِ الخندَقِ منها:
فمِنهم: مَن جعَلَ غَزْوةَ ذاتِ الرِّقاعِ سابقةً للخَندَقِ؛ وهو قولُ ابنِ إسحاقَ، وتَبِعَه كثيرٌ، كالواقديِّ وابنِ سعدٍ وخَلِيفةَ بنِ خيَّاطٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute