للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغصبِ أظهَرُ، ولكنَّ الظُّلْمَ في الرِّبا أخطَرُ؛ لأنَّه يُؤخَذُ بتشريعٍ ورِضًا فينتشرُ في الناسِ، والمنكَرُ الذي يُتراضَى به يَشِيعُ، والمنكَرُ الذي لا يُتراضَى بهِ لا يَشِيعُ، بل يحارِبُهُ الناسُ ولا ينتشِرُ؛ كالسرقةِ؛ لهذا عَظُمَ الرِّبا مِن هذا الوجهِ؛ حتى لا تُؤكَلَ الأموالُ بالتراضي، فيُؤخَذَ مالُ الفقيرِ وهو راضٍ عن حاجةٍ.

وقد يكونُ في علمِ آكلِ الرِّبا: أنَّ المالَ المقبوضَ قبلَ التوبةِ حقٌّ له؛ فيدعُوهُ ذلك إلى الانتظارِ حتى يَقبِضَهُ فيتوبَ؛ فيسوِّفَ لذلك، فيقالُ: إنَّ الآجالَ عندَ اللهِ؛ فقد يأخُذُ عبدَهُ قبل توبتِهِ، وهذا لو حَرُمَ لأجلِهِ المالُ المقبوضُ، لأصبَحَ إعلامُ اللهِ لعبادِهِ أنَّ التوبةَ تَهدِمُ ما قَبْلَها مِن كلِّ ذنبٍ ولو كان شِرْكًا - تسويفًا لهم أن يتراخَوْا في التوبةِ مِن الزِّنى والسِّحْرِ والزُّورِ، فوجودُ التراخي لا يُلغي الحكمَ، ولا يُبطِلُ رحمةَ اللهِ وفَضْلَه، وتسويفُ الإنسانِ في الرِّبا حتى يَقبِضَهُ أَهْوَنُ مِن تحريمِ مالِهِ كلِّه عليه حتى يَقْنَطَ، والقنوطُ مِن رحمةِ اللهِ أعظَمُ مِن الرِّبا.

ذَهَابُ بَرَكَةِ الأموالِ الربويَّة:

واللهُ يَمْحَقُ الرِّبا، ويُذهِبُ بركَتَهُ وأَثَرَهُ على الإنسانِ، والصدقةُ تنمِّيه وتزيدُ في بَرَكَتِهِ، وفي الحديثِ: (الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ)؛ رواهُ أحمدُ (١).

والبَرَكةُ المذكورةُ في القرآنِ ليست نماءَ الأرقامِ؛ وإنَّما نماءُ أثرِ المالِ بالطُّمَأْنينةِ والكفايةِ والقَنَاعةِ وتيسيرِ الحاجاتِ ولو بالقليلِ؛ لأنَّ المالَ يُسْعَى إليه طلبًا للسعادةِ والراحةِ، وكثيرٌ مِن أهلِ المالِ الحرامِ يغترُّونَ بالأرقامِ ونَمَائِها، فيزيدُهم همًّا وضِيقًا وعذابًا للنفسِ، فيخلُقُ اللهُ له الخصومَ وقطيعةَ الأرحامِ بسببِ مالِه، ويعلِّقُهُ الله بتتبُّعِ القليلِ مِن المالِ


(١) أخرجه أحمد (٣٧٥٤) (١/ ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>