فمِن الفقهاءِ: مَن يفرِّقُ بين المالِ المقبوضِ قبل التصرُّفِ فيه وبعدَهُ.
ومِنهُم: مَن يحرِّمُهُ كلَّهُ في الحالَيْنِ، ويُوجِبُ رَدَّه؛ لأنَّ المالَ المقبوض بعقدٍ فاسِدٍ مضمونٌ على القابِضِ كالمغصوبِ؛ وإلى هذا يذهَبُ أصحابُ أحمدَ وغيرُهم.
ومِنهُم: مَن يَجعلُه له في الحالَيْنِ بشرطِ التوبةِ الصادقةِ؛ وإلى هذا يميلُ ابنُ تيميَّةَ؛ وذلك أنَّ التوبةَ لو رُبِطَتْ بإعادةِ الحقوقِ الماضيةِ ولو كَثُرَتْ، لَشَقَّ ذلك على العبادِ، خاصَّةً الذين بدأَتْ أموالُهُمْ مِن الرِّبا وتنامَتْ حتى أصبَحَ كلُّ مالِهِ ربًا يتراكَمُ عبرَ السنينَ؛ فهذا يَدْفَعُهم لعدَمِ التوبةِ؛ لِطَمَعِ الإنسانِ في المالِ، ومشقَّةِ تَرْكِه، وتعذُّرِ إحصاءِ الأموالِ ومعرفةِ أهلِها، ومِنْ أكَلَةِ الرِّبا: مَن بدَأَ صِفْرًا، وملَكَ القناطيرَ مِن الرِّبا، والربا مع شِدَّةِ تحريمِهِ يختلِفُ عن المالِ المأخوذِ بلا رضًا كالمسروقِ والمغصوبِ؛ فهذا يُوجِبُ القطيعةَ والشَّحْناءَ بين الناسِ حتى في أجيالٍ لاحقةٍ، وربَّما اقتَتَلُوا عليه، فلا تتسامحُ فيه الشريعةُ بحالٍ قبلَ التوبةِ وبعدَها.
ثمَّ هو أظهَرُ في معرِفةِ الفِطْرةِ لتحريمِهِ مِن الرِّبا؛ فالرِّبا قد يَجْهَلُ تحريمَهُ حديثُ العهدِ بكُفْرٍ، والمسلِمُ البعيدُ عن معاقلِ الدِّينِ، وبعضُ صُوَرِهِ قد تخفى على بعضِ العامَّةِ حتى في بُلْدانِ العِلْمِ، ولكنَّ السَّرِقةَ والغَصْبَ لا يخفى على عاقلٍ تحريمُهُ ولو كان كافِرًا؛ فأصلُ تحريمِ الرِّبا لأجلِ الظلمِ بين العبادِ؛ وهذا ظاهرٌ في قولِهِ تعالى: ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩]، والظلمُ في السرقةِ