للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الثانيةُ: مَن أخَذَ الرِّبا قبلَ العِلْمِ بتحريمِهِ وبعد نزولِ الوحْيِ، وهدا في كلِّ معامَلةٍ بعدَ نزولِ تحريمِ الرِّبا في الصحابةِ ومَن بعدَهُم؛ فقد استقرَّ التحريمُ وثبَتَ، ورُفِعَ التكليفُ عنِ الجاهلِ لجَهْلِهِ، وقد أخَذَ الرِّبا بعقدٍ يعتقِدُ صحَّتَهُ.

فالحالةُ الأُولى والثانيةُ له ما أخَذَ؛ لتشابُهِ حالِهِما عدَ الأخذِ برفعِ التكليفِ واعتقادِ صِحَّةِ العملِ وعدمِ الإثمِ، وهذا ظاهرُ قولِهِ تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، قال سفيانُ في قولِه: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} قال: "مغفورًا لهُ" (١).

فربَطَ استحقاقَ ما سلَفَ مِن كَسْبٍ بمجيءِ الموعظةِ إليه والعلمِ بها: {جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ}، لا بمجرَّدِ نزولِ الحكمِ واستقرارِهِ في الدِّينِ ولو لم يبلُغْهُ.

وهذا يظهَرُ في العقودِ التي يعتقِدُ صِحَّتَها العبدُ ولو كانت حرامًا في حقيقتِها، أنَّ للمتعاقِدَيْنِ لوازمَهما؛ كنِكاحِ زوجةِ الأبِ أو الأختِ مِن الرَّضَاعِ قبلَ الوحيِ أو بعدَهُ مع الجهل به، فالمهرُ للمرأةِ، والولدُ يُنسَبُ لهما، ويفرَّقُ بَينَهما، ولو تعاقَدَا بعد الوحيِ مع العلمِ به، لوجَبَ عليهما الحَدُّ؛ كما قتَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ناكِحَ امرأةِ أبِيهِ بعدَ الوَحْي (٢)، مع أنَّه قال: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢].

ومِثلُهُ نكاحُ الأختَيْنِ؛ قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣].

الحالةُ الثالثةُ: مَن أخَذَ الرِّبا وقبَضَهُ وانتَهَى قبلَ توبتِهِ وهو يَعلَمُ


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٤٦).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٤٥٧) (٤/ ١٥٧)، والترمذي (١٣٦٢) (٣/ ٦٣٥)، والنسائي (٣٣٣١) (٦/ ١٠٩)، وابن ماجه (٢٦٠٧) (٢/ ٨٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>