للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيطانُ البُعْدَ والرَّدِّةَ عن دينِه؛ لهذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ الناسِ صبرًا وتحمُّلًا لمُخالِفِيه، ويجبُ أنَّ يكونَ أهلُ اتِّباعِه مِن العلماءِ والمُصلِحِينَ على سبيلِه في هذا.

سياسةُ المخالِفِينَ بالخِلْطةِ والهجر:

ومِن هذا النوعِ مُنافِقونَ على اختلافِ مراتبِ نفاقِهم، فهجْرُهم يُبعِدُهم، ووَصْلُهُمُ يُؤلِّفُهم وَيَكْفِيهِم والمسلِمينَ شرَّهم، فيُوصَلُونَ ولو أخطَؤُوا؛ لمصلحتِهم؛ فلا يَبتَعِدُونَ، ولمصلحةِ المسلِمينَ؛ ألَّا يُؤذُوهُم فيُوالُوا عليهم عدوَّهم.

والواجب على المُصْلِحِ: أنْ يَسُوسَ الناسَ بما يُصلِحُهم ويُقرِّبُهم، وبما يُقلِّلُ شرَّهم وَيزِيدُ في خيرِهم، لا بما يَهْوَاهُ، فربَّما وجَدَ المُصلِحُ في نفسِه حبًّا بهجرِ أحدٍ ومَلَلًا مِن قُرْبِه، فإذا أخطَأَ، مالَتْ نفسُهُ لهجرِه؛ يظنُّ أنَّه يهجُرُ لله وإنَّما يهجُرُ لحظِّ نفسِهِ وهواه.

والهجرُ يجبُ أنْ يكونَ بمقدارِ الإصلاحِ؛ فمَن هَجْرُهُ لشهرٍ يُصلِحُه، لا يجوزُ هَجْرُهُ فوقَ ذلك، ومَن هَجْرُهُ لعامٍ يُصلِحُه، لا يجوزُ هجرُهُ فوقَ ذلك، وكلَّما زادَ الهجرُ بلا حاحةٍ، عَظُمَ الإثمُ على الهاجرِ؛ فعن أبي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه -؛ أنَّه سمِعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: (مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً، فَهُوَ كسَفْكِ دَمِهِ) (١).

بذلُ السلامِ بالكلامِ والإشارة:

وتتضمَّنُ الآيةُ التحيَّةَ بالإشارةِ ممَّن يَعْجِزُ عن الكلامِ؛ لقوله: {إِلَّا رَمْزًا}، والأصلُ: مشروعيةُ السلام بالكلام المسموعِ إلا لمَن يَعجِزُ عن الكلام، أو حالَ بينَهُ وبينَ أخيهِ حائلٌ, أو كان المخاطَبُ بعيدًا لا يَسمَعُهُ، أو كان أصمَّ لا يَسمَعُ، فيكتفي بالإشارةِ؛ لما رواهُ النَّسَائِيُّ، عن


(١) أخرجه أحمد (١٧٣٩٥) (٤/ ٢٢٠) , وأبو داود (٤١٩٥) (٤/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>