للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس كلُّ معيَّةٍ ومُجالَسةٍ ومخالَطةٍ للمسلمِ مع المشرِكِ تَنفي الإيمانَ، وإنَّما يِحسَبِ حقيقةِ المعيَّةِ ونُوعِها، والمخَالَطةِ وما يُرادُ مِنها؛ فالاجتماعُ بهِم للمُصالَحةِ والمؤاجَرةِ والموادَعةِ وغيرِها جائزةٌ بلا خِلافٍ.

وقد كانَتْ للهجرةِ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ خصيصةٌ عن غيرِها مِن الأرضِ؛ فقد كان يأمُرُ بها اللهُ ورسولُهُ ، وما كان يأمُرُ النَّبِيُّ سَراياهُ عندَ بَعْثِها إلى غيرِ مَكَّةَ مِن القُرَى والمُدُنِ بالإِسْلامِ والهجرة، بل كان يأمرُهُمْ كما في "الصحيحِ"؛ قال: (إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فأيتهن مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُم إِلَى الإسْلام، فَإنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَل مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمَ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِبنَ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ أَنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الْذِي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيْمَةِ وَالْفَيْءِ شَيءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ) … الحديثَ (١).

أخرَجَه مسلمٌ مِن حديثِ بُرَيدةَ، وفيه: أنَّه لم يُلزِمْهُمْ بالهِجْرَة، وإنَّما دعاهم وخَيَّرَهم.

عذرُ الإنسانِ لنفسِهِ وهو مكلَّفٌ:

وفي هذه الآيةِ في قولِهِ: ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ عدَمُ قَبُولِ الدَّعْوى ما لم تَقُمْ عليْها بيِّنةٌ، فهُمُ ادَّعَوُا الضَّعْفَ وليسوا كذلك.

وقد تسوِّلُ النفسُ لصاحبِها عُذْرَها عندَ استِثْقالِها التكاليفَ، فتَظُنُّ أنَّها معذورةٌ، وليست كذلك؛ لذا قال اللهُ: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا


(١) أخرجه مسلم (١٧٣١) (٣/ ١٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>