للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحرَّماتِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (١)، فجعَلَ السلامةَ مِن الرَّفَثِ والفسوقِ شرطًا لتكفيرِ الذنوبِ؛ فإنَّ المعاصيَ من الرَّفَثِ والفسوقِ تخفِّفُ الحجَّ فلا يَقْوَى على مغالبةِ الذنوبِ وتكفيرِها عندَ الميزانِ.

وفي الآيةِ والحديثِ: إشارةٌ إلى أنَّ الذنوبَ تَنقُصُ الحسناتِ وتَمْحُوها، كما تَنقُصُ الحسناتُ الذنوبَ وتَمْحُوها، وفيها أنَّ الذنوبَ التي تقترنُ بعملٍ صالحٍ أَعظمُ منَ الذنوبِ المجرَّدةِ؛ فالذنوبُ للمُحرِمِ والصائمِ والمجاهِدِ والمرابِطِ أعظمُ مِن غيرِها؛ لاقترانِها بعبادةٍ، فخَصَّ اللهُ الحجَّ بالذِّكْرِ والتأكيدِ؛ لطولِ أيامِه، بخلافِ الصلاةِ وإنْ كانت أعظَمَ إلا أنَّ وقتَها قصيرٌ؛ فلا يقترنُ معها محرَّمٌ غالبًا؛ لحالِها ولقِصَرِ زمانِها.

دَلَالةُ الاقتران:

وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ دَلَالةَ الاقترانِ تدُلُّ على الاشتراكِ بأدنى معاني الحُكْمِ، لا بأَقْصَاهُ، فقرَنَ اللهُ الرفَثَ والفسوقَ والجدالَ بنهيٍ واحدٍ مع اختلافِها في مَرْتَبَتِه؛ فدلالةُ الاقترانِ تدُلُّ على اشتراكِ المقروناتِ في أصلِ الحُكْمِ، لا في مقدارِه؛ فضلًا عن لوازمِه؛ كاشتراكِ هذه المنهيَّاتِ في أصلِ الحُكْمِ.

وأمَّا الاستدلالُ بها على الاشتراكِ في الحُكمِ كلِّه، فلا يصحُّ في قولِ جمهورِ العلماءِ، وظواهرُ الأدلةِ تؤيِّدُهُ؛ كما في قولِه تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١]، وقولِه: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣].

والاشتراكُ في أصلِ الحكمِ غالبٌ لا مُطَّرِدٌ أيضًا؛ وهذا خلافًا


(١) أخرجه البخاري (١٥٢١) (٢/ ١٣٣)، ومسلم (١٣٥٠) (٢/ ٩٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>