واستدلالُ بعضِ الفقهاءِ بالاقترانِ في بعضِ المواضعِ: لا يَعني أنَّه يجعلُها قاعدةً؛ فربَّما جعَلَها قرينةً تَقْوَى في موضعٍ، ولا تَقْوَى في موضعٍ آخَرَ، ولا يُلزَمُ فقيهٌ بما لم يَلتَزِمْهُ وينُصَّ عليه.
وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾: تنبيهٌ إلى عمارةِ الوقتِ بالعملِ الصالحِ، وكما نَهَى عن الرَّفَثِ والفسوقِ والجدالِ، فقد أمَرَ بضِدِّهِ؛ ليُعمَرَ وقتُ الحاجِّ؛ فلا يَجِدَهُ خاليًا فيَعْمُرَهُ شيطانُهُ بالوسواسِ المحرَّمِ وخَطَراتِ السوءِ؛ فإنَّ الإثمَ يبدأُ وسواسًا قبلَ أنْ يكونَ عملًا، وكذلك فإنَّ السيئةَ تُزاحَمُ بالحسنةِ.
وفي الآيةِ: تنبيهٌ إلى طلبِ الإخلاصِ واستدعائِهِ؛ قال: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾؛ فإنَّ اللهَ أعلَمُ وأشَدُّ اطِّلاعًا على حالِكُمْ، فراقِبُوا عِلمَ اللهِ بعَمَلِكم، لا عِلْمَ غيرِهِ بكم.
ثمَّ أمَرَ اللهُ بالأخذِ بالأسبابِ الماديَّةِ والشرعيَّةِ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، تزوَّدُوا بما يُصلِحُ أنفُسَكم ودُنْياكم، وخيرٌ مِن ذلك زادُ الدِّينِ، وهو التَّقْوَى بالعملِ الصالحِ وتَرْكِ المحرَّمِ، وفي الآيةِ: نهيٌ عن التواكُلِ، وإيجابٌ للأخذِ بالأسبابِ؛ فهي مِن صُنْعِ الله وحُسْنِ تدبيرِه في كَوْنِه.
قال عِكْرِمةُ:"كان أناسٌ يَحُجُّونَ بلا زادٍ؛ فأنزَلَ اللهُ هذه الآيةَ"(١).
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ أَعْقَلَ الناسِ أكثرُهُمْ عبادةً وتَقْوَى؛ فإنَّ العقولَ تدُلُّ على اللهِ، وتهدي إليه إلا مَن عطَّلَها بالهَوَى والشهواتِ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٩٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٥٠).