عندَهُ بعدَ الحجِّ في ذي الحِجَّةِ كالعمرةِ قَبْلَهُ في التفاضُلِ مع غيرِ أشهرِ الحجِّ؛ لأنَّ الحاجَّ ما زالَ في سَفْرةِ حَجِّهِ لم يَرجِعْ إلى أهلِه.
وقد رُوِيَ عن جماعةٍ مِن السلفِ؛ كعطاءٍ وطاوسٍ وابنِ شهابٍ: إطلاقُ ذي الحِجَّةِ أنَّه مِن أشهُرِ الحجِّ، ولعلَّهم أطلَقُوهُ كما أَطْلَقَهُ القرآنُ؛ للعِلْمِ بكونِهِ إلى العشرِ لأداءِ النُّسُكِ، أو أرادُوا إطلاقَهُ ومرادُهُمْ كالمعنى الذي ذهَبَ إليه بعدَهُمْ مالكٌ.
و﴿مَعْلُومَاتٌ﴾ صفةٌ لـ ﴿أَشْهُرٌ﴾؛ أي: إنَّها بيِّنةٌ معروفةٌ مستفيضةٌ بين الناسِ؛ وهذا دليلٌ على أنَّ المشهورَ المستفيضَ البَيِّنَ الذي لم يطرَأْ عليه لبسٌ: لا تَثْقُلُ المسامعُ بذِكْرِه، وقد كانت هذه الأشهُرُ معلومةً في الجاهليَّةِ والإسلامِ.
والتقديرُ في قولِهِ تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾: يعني ما شرَعَهُ اللهُ لعِبادِهِ لا يكونُ إلا في هذه الأشهرِ، وما عَدَاهُ لا يكونُ حَجًّا مقصودًا مشروعًا، وإنْ أُطلِقَ اسمُ الحجِّ على العمرةِ مِن جهةِ اللُّغَةِ، فمعناهُ القصدُ، ولكنَّ الحَجَّ في الآيةِ بمعناهُ الضَّيِّقِ، لا بمعناه الواسعِ.
التأكيدُ على المواقيت الزمانية:
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ المواقيتَ الزمانيَّةَ آكَدُ مِن المواقيتِ المكانيَّةِ؛ وذلك أنَّ اللهَ لم يذكُرِ المواقيتَ المكانيَّةَ في كتابِهِ.