للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسْجِدُ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى:

اختُلِفَ في المرادِ بالمسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى المذكورِ في الآية، وتَردَّدَ قولُ السلفِ والخَلَفِ فيه بينَ مسجدِ النبيِّ وبينَ مسجدِ قُباءٍ، وسببُ الخلافِ: أنَّ اللهَ ذكَر وَصْفَ المسجد، وكلُّ واحدٍ مِن المسجدَيْنِ أحَقُّ بالوصفِ مِن وجهٍ؛ وذلك أنَّ مسجدَ النبيِّ أحَقُّ بوصفِ التَّقْوَى في قولِه: ﴿أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾، ومسجدُ قُباءٍ أحَقُّ بالسَّبْقِ بالبناءِ في قولِه: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾؛ فقد بُنِيَ قبلَ مسجدِ النبيِّ ، وقد اختَلَفَ السلفُ في ذلك علي أقوالٍ ثلاثةٍ:

القولُ الأولُ: قولُ جماعةِ السلفِ؛ أنَّ المرادَ به مسجدُ النبيِّ ؛ فقد ثبَتَ في مسلمٍ؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ قال: "دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِه، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ المَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفَّا مِنْ حَصْبَاءَ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: (هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا)؛ لِمَسْجِدِ المَدِينَةِ" (١).

وفي "المسنَدِ"، مِن حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ نحوُهُ (٢)، وهذا القولُ رُوِيَ عن عمرَ وابنِ عمرَ وزيدِ بنِ ثابتٍ وابنِ المسيَّبِ (٣).

القولُ الثاني: قولُ ابنِ سيِرينَ؛ أنَّ المرادَ به كلُّ مسجدٍ بُنِيَ على التَّقْوَى بالمدينةِ (٤).

القولُ الثالثُ" قولُ ابنِ عبَّاسٍ، رواهُ عنه عليُّ بن أبي طَلْحةَ؛ بأنَّه مسجدُ قُبَاءٍ (٥)؛ لأنَّه أولُ مسجدٍ بُنِيَ في الإسلامِ لمَّا نزَل النبيُّ علي بني


(١) أخرجه مسلم (١٣٩٨).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٣٣١).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٦٨٢، ٦٨٣)، و"تفسير ابن كثير" (٤/ ٢١٦).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٨٢).
(٥) "تفسير الطبري" (١١/ ٦٨٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>