للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرِو بنِ عَوْفٍ في قُبَاءٍ يومَ الاثنَيْن، فأقامَ فيهم فأسَّسَ مسجدَ قُبَاءٍ، ثم ارتحَلَ عنهم يوم الجُمُعةِ إلى بني سالمِ بنِ عوفٍ، فصلَّى عِندَهم الجمعةَ، وهي أولُ جمعةٍ في الإسلام، ثم ذهَبَ ودخَلَ المدينةَ، ونزَلَ علي بني مالكِ بنِ النَّجَّارِ على أبي أيُّوبَ، فأَسَّسَ مسجِدَهُ بالمِرْبَدِ الذي كان للغُلامَيْنِ اليتيمَيْنِ.

وبقولِ ابنِ عبَّاسِ قال الشَّعْبيُّ والحسنُ وأبو سَلَمةَ وعُرْوةُ وسعيدُ بن جبيرٍ وقتادةُ (١)، وسياقُ الآيةِ يعضُدُ ذلك؛ وذلك مِن وجوهٍ:

الوجهُ الأولُ: أنَّ مسجدَ قباءٍ أسبَقُ مِن جهةِ البناء، والآيةُ جاءتْ في تقييدِ وصفِ المسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى بأنَّه الأسبقُ في الزمَن، وهو قولُه: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، ولو جاءَ الوصفُ بأنَّه الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى مجرَّدَا عن التقييد، لكان الأَحَقَّ به مَسْجِدُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه أَولى مساجدِ المدينةِ بالوصفِ بلا خلافٍ.

وأمَّا حديثُ أبي سعيدٍ السابقُ، فقد جاء جوابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على قَدْرِ سؤالِ أبي سعيدٍ، وهو قولُهُ: (أَيُّ المَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التقْوَى؟ )، ولم يُقيِّدْه بـ (أَوَّلِ يَوْمٍ)؛ كما في روايةِ مسلمِ في "صحيحِه"، فكان جوابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (لِمَسْجِدِ المَدِينَةِ).

الوجهُ الثاني: أنَّ مسجِدَ الضِّرارِ بُنيَ قريبًا مِن قُبَاءٍ؛ كما قالَهُ بعضُ المفسِّرينَ؛ كابنِ عبَّاسٍ والضحَّاكِ وقتادةَ والسُّدِّيِّ (٢)، وأرادَ المُنافِقونَ تشبيهَهُ به، ولم يُريدوا تشبيهَهُ بمسجدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقُربُهُ مِن مسجدِهِ ضِرَارٌ بيِّنٌ، وقربُهُ مِن قُباءٍ ضِرَارٌ خفيٌّ، وهذا ما أرادُوهُ، وقد كان النبيُّ يأتي إلى مسجدِ قُبَاءٍ كلَّ سَبْتٍ للصلاةِ فيه، وكان المُنافِقونَ يَرْجُونَ أنْ يأتيَ


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٨٢)، و"تفسير ابن كثير" (٤/ ٢١٤).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>