للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) (١).

وقولُهُ: ﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾: الجدالُ يرادُ به: المجادَلةُ والمقاوَلةُ والملاحَاةُ، وبُقصَدُ به هنا: ما يؤدِّي إلى محرَّمٍ؛ كغضبٍ وخصومةٍ وسَبٍّ، وأصلُهُ يُطلَقُ على كلِّ ملاحاةٍ ومقاوَلةٍ بفائدةٍ أو بغيرِ فائدةٍ؛ فيُطْلَقُ على ما ينفعُ؛ كقولِه تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١]، وقولِهِ: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وعلى ما لا ينفعُ؛ كما في هذه الآيةِ.

معنى الجدالِ في الحجِّ:

وحُمِلَ النهيُ عن الجدال في هذه الآيةِ على أمرَيْنِ:

الأولُ: النهيُ عن المِرَاءِ في الحجِّ؛ وصَحَّ هذا عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عباسٍ وابنِ عمرَ وكثيرٍ مِن السلفِ (٢).

الثاني: النهيُ عن الجدالِ في أحكامِ الحجِّ بعدَ بيانِها؛ وجاء هذا عن مجاهدٍ والسُّدِّيِّ والقاسمِ بنِ محمدٍ ومالكِ بنِ أنسٍ.

والأولُ أعَمُّ، وكلا المَحْمَلَيْنِ صحيحٌ؛ فالاختلافُ هنا اختلافُ تنوُّعٍ لا تَضَادٍّ؛ ولكنَّ بعضَ السلفِ يُخصِّصُهُ بمسائلِ الحجِّ، وبعضَهم يجعلُهُ فيها وفي غيرِها، وظاهرُ الخلافِ عندَهم إنَّما هو في سببِ النزولِ ومقصدِهِ، لا في دخولِ الحكمِ وشمولِهِ للأمرَيْنِ جميعًا.

وفي الآيةِ تخصيصُ المُحرِمِ بالنهي عن الفسقِ والمِرَاءِ مع عمومِ النهيِ لغيرِه؛ تأكيدًا على أنَّ الحجَّ يتأثَّرُ بالفسوقِ، وربَّما تنقصُهُ أو تُذهِبُ أَجْرَهُ إنْ كَثُرَتْ، وأنَّ عظمةَ الأجرِ تكونُ للعبادةِ التامَّةِ السالِمةِ مِن


(١) أخرجه البخاري (٤٨) (١/ ١٩)، ومسلم (٦٤) (١/ ٨١)؛ من حديث عبد الله بن مسعود .
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٧٨ - ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>