وفي الآيةِ: وجوبُ ظُهورِ الرِّضا أو قرينتِهِ التي تدُلُّ على حصولِهِ باطنًا؛ فما كلُّ النفوسِ تَقْدِرُ على إظهارِ ما تَكْرَهُ، وفي قولِهِ تعالى في مهرِ الزوجةِ وصَدَاقِها: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ [النساء: ٤] فطِيبُ النفسِ لا بدَّ منه , فما يخرُجُ مع خبثِ نفسٍ وعدمِ رِضًا محرَّمٌ؛ لأنَّه إكراهٌ باطنٌ.
حكمُ المعاقَدة في البيوعِ:
وقد استدَلَّ بعضُ الفقهاء بقولِه: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ على وجوبِ المعاقَدةِ في البيوعِ وعدمِ جوازِ بيعِ المعاطاةِ؛ لأنَّ الشارعَ اشترَطَ الرِّضا، والرِّضا لا يظهَرُ إلا بالمعاقَدةِ كتابةً أو شهادةً أو قولًا بينَ المُتبايِعَيْنِ بالقَبولِ والإيجابِ.
وفي هذا نظرٌ؛ فالمعاطاةُ بينَ المُتبايعَيْنِ كافيةٌ في صِحَّةِ البيعِ عندَ عامَّةِ السلف، وجاريةٌ في عُرْفِ الصَّدْرِ الأول، وخاصَّةً في صغيرِ السلعِ وحقيرِها الني يثقُلُ في مِثلِها المعاقدةُ ولو قوليَّةً، فيَجري الناسُ في أخذِها مَجرى العادةِ لمَثيلاتِها، فيدخُلُ المُشترِي مَتْجَرًا، فيأخُدُ سلعةً يَشتَهِرُ ثمنُها عُرْفًا، ويُقدِّمُ ثمَنَها للبائع، ويَمضي مِن غيرِ قولٍ أو كتابةٍ أو شهادةٍ؛ وهذا عليه عملُ الصَّدْرِ الأولِ والناسِ إلى يومِنا لا يُشدِّدونَ فيه؛ وهذا قولُ جمهورِ الفقهاءِ؛ كالمالكيَّةِ والحنفيَّةِ والحنابلةِ؛ خلافًا للشافعيَّةِ الذين لا يرَوْنَ المعاطاةَ بيعًا؛ أخذًا بظاهرِ الآية، وبقولِه ﷺ:(إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ)(١).