للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصاحفَ ويُسرِفُ في تحليتِها، فهو قد أسرَفَ في شيء يظُنُّهُ عبادةً؛ لكونِهِ تخلَّلَها، وليس منها.

وأمَّا إنْ كان الإنفاقُ على عبادةِ يُفَوِّتُ ما هو أوجَبُ منها، فذلك سَرَفٌ لا يجوزُ؛ كمَن يتوسَّع في النفقةِ على باءِ المساجدِ لما يتعطَّلُ به الجهادُ، فذلك سَرَفٌ منهيٌّ عنه؛ ولهذا جعَلَ النبيُّ السَّرَفَ يَلحَقُ العبادةَ مِن هذا النوع؛ كما في حديثِ عمرِو بنِ شعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه؛ قال : (كُلوا وَاشرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا، فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ)، رواهُ أحمدُ وأصحابُ "السنن" (١).

ومَن أسقَطَ الواجبَ الأَعْلى عليه مِن العبادةِ والنفقة، فله أنْ يُنفِقَ على ما دُونَها مِن العبادةِ والحاجة، وقد صحَّ عن محمدِ بنِ سِيرينَ: "أنَّ تميمًا الداريَّ اشتَرى رِداءً بألفٍ، وكاد يُصلِّي فيه" (٢).

حضورُ مجالس السَّرَفِ:

ولا يَصْلُحُ للقُدْوةِ حضورُ مجالسِ السَّرَفِ والتبذير، والأماكنِ التي صُنِعَتْ بالتبذيرِ والسَّرَف، كإقامةِ مجالسِ العِلْمِ في مساجدَ محلَّاةٍ بالزَّخْرفةِ الفاحشة، والمزاداتِ التي تُوضَعُ للمُغالاةِ والمُباهاةِ. والمواضعُ والأماكن التي فيها سَرَفٌ على نوعَيْنِ:

النوعُ الأوَّلُ: أماكنُ جاء السَّرَفُ فيها تَبعًا ولم يأتِ استقلالًا، وذلك كالمساجدِ الموقوفةِ التي دخَلَها السَّرَفُ بزَخرفتِها، فهذه يجوزُ دخولُها والصلاةُ فيها للعامَّةِ دونَ القُدْوة، فدخولُها منه على سبيلِ الاعتراضِ أهوَنُ مِن دخولِها على سبيلِ الدوامِ.


(١) أخرجه أحمد (٢/ ١٨٢)، والنسائي (٢٥٥٩)، وابن ماجه (٣٦٠٥).
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>