للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيهٌ على أنَّ تلك الأحكامَ - تحريمًا وتحليلًا - حدودٌ وضَعَها اللهُ وحَدَّها لعبادِهِ، يجبُ أن تُمتَثَلَ، ويَظهرُ التشديدُ في قولِه: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾، والقربُ هو مرحلةٌ قبلَ التصرُّفِ، ويُصاحِبُهُ العزمُ على التغييرِ والتبديلِ لها، وهو محرَّمٌ، والتبديلُ لها والتحريفُ لتلك الحدودِ محرَّمٌ يُوجِبُ العقابَ؛ فهي آياتٌ بيِّناتٌ واضحةٌ؛ حتَّى يتحقَّقَ العملُ بها، فتُتَّقى محارمُ اللهِ وتُجتنَبَ، وتُؤخَذَ رُخَصُ اللهِ وتُستباحَ؛ وهذه حقيقةُ التقوى والطاعةِ للهِ.

* * *

قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٨].

بيَّن اللهُ حُرْمةَ الأموالِ؛ لأنَّ بها صلاحَ الدُّنْيا، كما بيَّنَ حُرْمةَ الدِّينِ؛ لأنَّ به صلاحَ الآخِرةِ، فالمالُ والدِّينُ حَقٌّ للهِ لا يُتصرَّفُ فيهما بغيرِ إذنِه؛ ولذا نسَبَهُما اللهُ إليه تعظيمًا لحُرْمَتِهما؛ فقال النبيُّ في المالِ: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ) (١)، وقال اللهُ في دِينِهِ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [الأنعام: ٦٨]، فسمَّى اللهُ التعدِّيَ على مالِهِ وآياتِهِ خَوْضًا.

أحوالُ تعدِّي الإنسان على المالِ:

والتَّعدِّي على المالِ إمَّا أن يكونَ بيدِ صاحبِهِ الذي ملَّكَهُ اللهُ إيَّاهُ، وهو الإنسانُ، أو بيدِ غيرِهِ؛ فليس للإنسانِ تمامُ التصرُّفِ في مالِهِ ولو ملَكَهُ؛ لأنَّه ومالَهُ مِلْكٌ للهِ؛ فإفسادُ الإنسانِ لمالِهِ حرامٌ كأَخْذِهِ لمالِ غيرِه


(١) أخرجه البخاري (٣١١٨) (٤/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>