للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغيرِ حقٍّ؛ ولذا قالَ تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، فجعَلَ اللهُ آكِلَ مالِ أَخِيهِ بالباطلِ، كالآكِلِ مالَ نَفْسِهِ بالباطلِ؛ فالأوَّلُ أفسَدَهُ على أخيهِ، والثاني أفسَدَهُ على نفسِهِ، وحرمةُ المالِ في حقيقتِهِ واحدةٌ.

وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ الشُّحَّ والطَّمَعَ وعدَمَ الإيثارِ هو الذي يدفعُ النفوسَ إلى التجاوزِ على حقوقِ الناسِ بغيرِ حَقٍّ؛ فالنفوسُ التي ترى حقَّ أخيها كحقِّها في الحُرْمةِ تعظِّمُ مالَ غيرِها كتعظيمِها لمالِ نَفْسِها؛ ولذا قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾؛ أيْ: فأنتَ تأكُلُ مالَ نَفْسِك؛ وهذا كقولِهِ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١]، وقولِهِ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]؛ فحُرْمةُ المالِ بالأخذِ، والعِرْضِ باللَّمْزِ، والنَّفْسِ بالقتلِ: واحدةٌ كحُرْمةِ أنفسِهم.

وقد بيَّن اللهُ في هذه الآيةِ التعدِّيَ على المالِ بالعدوانِ من غيرِ صاحبِهِ بأَكْلِهِ بالباطلِ، سواءٌ بغَصْبٍ أو سَرِقةٍ أو رِبًا أو غَرَرٍ ونحوِها، وأعظَمُ مِن ذلك أن يُؤخَذَ المالُ الحلالُ بصورةٍ تشرِّعُهُ، وتُسقِطُ حقَّ صاحبِه؛ إمِّا لعدمِ بَيِّنَتِهِ فيه بعدَ أخذِه منه، أو لتشريعِ أَخْذِهِ وسَلْبِهِ بالباطلِ.

روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عنِ ابنِ عباسٍ؛ أنَّه قال في هذه الآيةِ: "هذا في الرجلِ يكونُ عليه مالٌ وليس عليه فيه بيِّنةٌ، فيَجْحَدُ المالَ ويُخاصِمُ إلى الحُكَّامِ، وهو يَعْرِفُ أنَّ الحقَّ عليه، وهو يَعْلَمُ أنَّه آثِمٌ آكِلٌ الحرامَ" (١).

وبنحوِ هذا ومعناهُ قال مجاهِدٌ وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ وعِكْرِمةُ والحسَنُ وغيرُهم.

وروى ابنُ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ: قال: "لا تُخاصِمْ وأنتَ تعلمُ أنَّك ظالِمٌ"؛ أخرَجَهُ سعيدُ بنُ منصورٍ في "تفسيرِه" (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٧٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٢١).
(٢) التفسير من "سنن سعيد بن منصور" (٢٨٢) (٢/ ٧٠٦)، و"تفسير الطبري" (٣/ ٢٧٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>