وربَّما يَظُنُّ العالِمُ أنَّ أَخْذَهُ للماِل لا يحرُمُ إلا إنْ كان لأجلِ قولِ الباطلِ؛ وهذا خطأٌ؛ فالمالُ يحرُمُ حتى لو كان للسكوتِ عن قولِ الحقِّ؛ فالسكوتُ عن الشرِّ عندَ ظهورِهِ من العالِمِ كتشريعِه، فإنْ أخَذَ مالا ليسكُتَ، كان مالُهُ أشَدَّ عليه مِن أكلِ الرِّبا؛ لأنَّ المُرَابِيَ يأكُلُ الدُّنيا بالدُّنيا، والعالِمَ يأكُلُ الدُّنيا بالدِّين، ثُمَّ هو بيعٌ لحقِّ الله، وأمَّا الرِّبا، فبيعٌ لحقِّ المخلوقِ.
العدلُ بين الكفَّار:
وفي هذه الآية: أنَّ الحاكمَ يَقضي بينَ أهلِ المِلَلِ مِن أهلِ الكتابِ وغيرِهم فيما يقعُ بينَهم كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾، واختلَفَ العلماءُ في وجوبِ حُكْمِ الحاكمِ عليهم: هل يجبُ عليه وإنْ لم يترافَعُوا إليه، أو يجبُ عليه عندَ الترافُعِ؟ :
فجعَلَ مالكٌ الأمرَ إلى الحاكمِ؛ فهو مخيَّرٌ بينَ الحُكْمِ والتركِ إنْ ترافَعُوا إلى إمامِ المُسلِمينَ؛ أخذًا بظاهر قولِه، ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾.
وأوجَبَ الحُكْمَ عليهم إنْ جاؤُوا: أبو حنيفةَ والشافعيُّ في قولٍ، وجعَلُوا التخييرَ منسوخًا في قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾.
ومِن الفقهاءِ: مَن أوجَبَ الحُكْمَ عليهم بكلِّ حالٍ ولو لم يترافَعُوا إلى المُسلِمينَ.