نزَلَتْ هذه الآيةُ بيانًا لبطلانِ ما تعتقدُهُ يهودُ مِن ضَرَرِ إتيانِ المرأةِ مِن ورائِها في قُبُلِها، واقتدَى بهم أهلُ المدينةِ مِن الأنصارِ؛ فقد جاء في "الصحيحَيْنِ"، عن جابرٍ ﵁؛ قال: كانتِ اليهودُ تقولُ: "إذا جامَعَها مِن وَرَائِها، جاءَ الوَلَدُ أحْوَلَ"؛ فنزَلَتْ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (١).
ما يَحِلُّ للرجلِ من زوجتِهِ:
ثمَّ إنَّ الآيةَ قد دَلَّت على أنَّ الأصلَ في النساءِ الحِلُّ لأزواجِهنَّ، وكنَّى اللهُ عن الجِمَاعِ والوَطْءِ بالحَرْثِ، فشَبَّهَ الزوجةَ بالأرضِ، والوَطْءَ بالحرثِ فيها، والولدَ بالزَّرْعِ، وفي الآيةِ: أنَّ النهيَ عن الوطءِ إنَّما هو استثناءٌ؛ وذلك في أوقاتٍ مخصوصةٍ؛ كالصيامِ، وأحوالِ مخصوصةٍ؛ كالإحرامِ والاعتكافِ، وأماكنَ مخصوصةٍ؛ كالمساجدِ، وفي مواضعَ مخصوصةٍ منها؛ كالدُّبُرِ، ونزولِ الحَيْضِ؛ لاشتراكِهما في عِلَّةِ الأذَى؛ فالقُبُلُ أَذًى عارضٌ، والدُّبُرُ أذًى دائمٌ.
وجاءت هذه الآيةُ لعد تحريمِ الوطءِ زَمَنَ الحيضِ؛ ليبيِّنَ اللهُ مِنَّتَهُ على عبادِهِ أنَّ النهيَ عارِضٌ لا دائِمٌ، فلا يَغِيبُ عن النفوسِ ما أحَلَّهُ اللهُ لهم في أكثرِ الزمانِ؛ فهم يستثقِلُونَ التحريمَ وهو عارضٌ، ويستخِفُّونَ التحليلَ لأنَّه غائبٌ.
وذكَرَ اللهُ النساءَ في قولِه: ﴿نِسَاؤُكُمْ﴾، ولم يَخُصَّ الزوجاتِ؛ لِيَعُمَّ ذلك الزوجاتِ والإماءَ، فالحُكْمُ فيهنَّ واحدٌ، وكلُّ ذلك من النساءِ.