للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ حقَّ الوطءِ للرجلِ على المرأةِ؛ للفِطْرةِ الغالِبةِ في الشهوةِ منه عليها، ولم يتوجَّهِ الخطابُ إليها؛ لِغَلَبةِ حيائِها وإنِ اشترَكَا في الحَقِّ، فيجبُ على الزوجةِ أنْ تمكِّنَ زَوْجَها متى ما رَغِبَها؛ ففي "المسندِ"، والتِّرْمِذيِّ، والنَّسَائيِّ؛ مِن حديثِ طَلْقِ بنِ عليٍّ، عن النبيِّ ؛ قال: (إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ، فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كانت عَلَى التَّنُّورِ) (١).

فإنَّ في ذلك أداءً للحقِّ، وقضاءً للوَطَرِ، وتأليفًا للقلبِ، ودَفْعًا للشرِّ؛ فإنَّ الرجلَ أكثَرُ عُرْضةً لفتنِ النساءِ مِن المرأةِ لفتنِ الرجالِ؛ وذلك لأنَّ اللهَ كتَبَ عليه الضَّرْبَ في الأرضِ، فيَغْدُو وَيَرُوحُ، ويبيعُ ويشترِي، ويَعْرِضُ له ما لا يَعْرِضُ للمرأةِ، وفي "صحيحِ مسلمٍ"؛ مِن حديثِ جابرٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ الَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (إنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأةً، فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ ذلك يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ) (٢).

وفي قولِهِ تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ دليلٌ على الإتيانِ مِن القُبُلِ؛ لأنَّه مَنْبَتُ الوَلَدِ؛ كما رواهُ عِكْرِمةُ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾: مَنْبَتَ الولدِ" (٣).

فالحَرْثُ: الجِمَاعُ، والأرضُ: الزوجة، والولَدُ: الزَّرْعُ، وكما أنَّه لا يُزرَعُ عقلًا في غيرِ أرضِ الحرثِ، فكذلك لا يُوضَعُ البُضْعُ في غيرِ القُبُلِ، فإذا كان وضعُ الزرعِ على الحَصَى نقصًا في العقلِ، فكذلك وضعُ البُضْعِ في غيرِ القُبُلِ نقصٌ في الدِّينِ.


(١) أخرجه أحمد (١٦٢٨٨) (٤/ ٢٢)، والترمذي (١١٦٠) (٣/ ٤٥٧)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٨٩٢٢) (٨/ ١٨٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٠٣) (٢/ ١٠٢١).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>