للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا في قولِهِ: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}؛ فكأنَّه استدَلَّ بحالِ نفسِهِمُ السابقةِ معه على أمرٍ لاحقٍ، وهو التخلُّصُ منه.

وجمعُ القرائنِ عندَ الفَصْلِ -خاصَّةً في الدماءِ- مِن واجباتِ القاضي، فإنْ أخَذَ بقرينةٍ ولم يَسبُرْ ما يُقابِلُها وَيَجمَعْهُ، وقَعَ في الخطإِ في حُكْمِهِ عندَ غيابِ الأدلَّةِ؛ فإنَّ القرائنَ تقومُ مقامَ الأدلَّةِ إنْ غابَتْ.

* * *

قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: ١٩ - ٢٠].

وُجِدَ يوسُفُ عليه السَّلام في البئر، قيل: بعدَ يومٍ، وقيل: بعدَ ثلاثةِ أيامٍ، وقيل أقلُّ مِن ذلك، ولمَّا وُضِعَ دَلْوُ المُسْتَسْقِينَ في البئر، تمسَّكَ به يوسُفُ ليخرُجَ منها، فلمَّا رأَوْهُ، تباشَرُوا وتواصَوْا أن يُخفُوهُ عمَّن كان معهم؛ حتى لا يُشارِكَهُمْ فيه أحدٌ؛ فعُرِضَ بمصرَ، فاشْتَرَاهُ المَلِكُ.

حُكْمُ بَيْعِ الحُرِّ:

في قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}؛ قال ابنُ عبَّاسٍ (١) والنخَعيُّ (٢): "باعُوهُ ولم يَحِلَّ لهم أكلُ ثمنِهِ"، وقد فسَّرَ الضحَّاكُ (٣) وسفيان بن عُيَيْنةَ قولَهُ: {بَخْسٍ} بثمنٍ حرامٍ، وفسَّرَهُ قتادةُ بأنَّه ثمنٌ ظُلْمٌ (٤)؛ لأنَّه حُرٌّ، والحرُّ لا يُباعُ، والأكثرُ على أنَّ البَخْسَ المنقوصُ الزهيدُ، وهو الأظهَرُ والمُناسِبُ للَّفْظِ والسياق، ولكن المعنى صحيحٌ في


(١) "تفسير الطبري" (١٣/ ٥٤).
(٢) "تفسير الطبري" (١٣/ ٥١).
(٣) "تفسير الطبري" (١٣/ ٥٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢١١٥).
(٤) "تفسير الطبري" (١٣/ ٥٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>