ذكَرَ الله حدَّ السرقةِ بعدَما ذكَرَ حدَّ الحِرَابةِ؛ حتى لا يُظَنَّ أنَّ الحُرْمةَ للنَّفْسِ فقطْ؛ فإنَّ الحِرَابةَ يكونُ فيها التخويفُ أو القتلُ مع أخذِ المال، فهي قصدُ المالِ من صاحِبِه، بخلافِ السرقة، فهي غالبًا أخذُ المالِ خُفْيةً بعيدًا عن عينِ صاحِبِه؛ فأنزَلَ اللهُ حدَّ السرقةِ؛ لبيانِ عِصْمةِ المالِ وحدَهُ كعصمتِهِ مع غيرِه.
الحِكَمُ الغائبةُ في الحدودِ:
وذكَرَ الجنسَيْنِ الرجُلَ والمرأةَ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾؛ لبيانِ الاشتراكِ في الحُكْم، وأنَّ الشفقةَ الفِطْرِيَّةَ قد تُدرِكُ الإنسانَ على الأُنثى أكثَرَ من الذَّكَر، فبيَّنَ اشتراكَهما في الحُكْم، وقطعُ يدِ السارقِ ردعٌ له وعلامةٌ رادعةٌ دائمةٌ لغيرِه ممَّن يراهُ، والقطعُ -وإن كان شديدَ الأثرِ على فاعِلِه - إلَّا أنَّ الله يَحفَظُ أمرَ الأمَّةِ ويَعصِمُ مالَها ودمَها وعِرضَها به؛ فإنَّ اللهَ يَعلَمُ الآثارَ المدفوعةَ مِن إقامةِ الحدود، ولكنَّ الناسَ يَفْقِدُونَها ولا يُدرِكونَ مِقدارَها لو وقَعتْ فيَأخُذونَ بالظواهر، ولو كُشِفَ للناسِ مِن الغيبِ عن مقدارِ ما يَدفَعُ اللهُ به مِن المفاسدِ بعدَ إقامةِ الحدود، لأَقَامُوا الحدودَ بالشُّبُهاتِ؛ لِشِدَّةِ تمسُّكهم بها، ولكنَّها تَغِيبُ عنهم ويَفقِدونَها، ولا يُدرِكونَ قَدْرَها وعدَدَها وبشاعتَها، فلا يَحكُمونَ إلَّا على ما يُشاهِدونَ ويُحِسُّون به مِن الآثارِ؛ ولذا فإنَّ اللهَ كثيرًا ما يَذكُرُ اسمَهُ الحكيمَ بعدَ تشريعِهِ لأحكامٍ تَغِيبُ أكثرُ آثارِها عن الحِسِّ؛ ليُذكِّرَ بحِكْمةٍ لا يُدرِكونَها.
إخفاءُ الله للآثارِ السيِّئةِ المدفوعةِ بالحدود:
ولعلَّ مِن حِكْمةِ اللهِ في إخفاءِ الآثارِ السيِّئةِ المدفوعة بسبب إقامةِ