للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال اللهُ تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥].

جعَلَ اللهُ بيتَه - وهو المسجدُ الحرامُ، والمرادُ به هنا: الكَعْبةُ - مكانًا يُذهَبُ إليه مرةً بعدَ مرةٍ، والبيتُ اسمُ جنسٍ لكلِّ مكانٍ يُباتُ فيه أو مِثْلُهُ يُبَاتُ فيه، سواءٌ كان لواحدٍ أو لجماعةٍ، ومِن أيِّ شيءٍ بُنِيَ فهو بيتٌ، سواءٌ كان مِن حَجَرٍ أو طِينٍ؛ كما في ظاهرِ الآيةِ، أو كان مِن الشَّعَرِ والصُّوفِ؛ كما في قولِهِ تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا} [النحل: ٨٠]، والجامعُ في ذلك أنْ تكونَ مسقوفةً، وما ليس بمسقوفٍ لا يسمَّى بيتًا؛ بل يسمَّى حائطًا ونحوَهُ.

[(البيت) علم على المسجد الحرام]

وأصبَحَ لفظُ البيتِ علَمًا على الكعبةِ؛ هكذا في كتابِ اللهِ، وفي السُّنَّةِ والأثرِ؛ قال تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} [البقرة: ١٥٨]، وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ٩٦]، وقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]، وقال تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: ٣٥]، وقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: ٢٦]، وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: ٣].

وهكذا يَعرِفُهُ حتى الجاهليُّون؛ قال زُهَيْرٌ:

فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ ... رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ (١)


(١) ينظر: "جمهرة أشعار العرب" (ص ١٦١)، و"شرح المعلقات التسع" (ص ١٩٢)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>