للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللهُ منَعَ إمامةَ الظالمِ؛ لوجودِهِ فيهم، وأنَّ القولَ بتوريثِ الإمامةِ والقيادةِ يلزَمُ منه عدمُ خروجِ الأمرِ منهم؛ وهذا لا يُعرَفُ في دينِ الإسلامِ، وكان مِن قبلُ سُنَّةَ فارسٍ والرومِ.

وروى أبو يَعْلَى وابنُ أبي حاتمٍ؛ من طريقِ إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ؛ أخبَرَني عبدُ اللهِ؛ قال: إنِّي لفي المسجِدِ حينَ خطَبَ مَرْوانُ، فقال: إنَّ اللهَ أرَى أميرَ المؤمنينَ في يَزِيدَ رأيًا حسنًا، وإنْ يَستخلِفْهُ فقد استخلَفَ أبو بكرٍ وعمرُ، فقال عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرٍ: أهِرَقْلِيَّةٌ؟ ! إنَّ أبا بكرٍ واللهِ ما جعَلَها في أحدٍ مِن وَلَدِه، ولا أحدٍ مِن أهلِ بيتِه، ولا جعَلَها معاويةُ في ولدِهِ إلا رحمةً وكرامةً لولدِه (١).

والتزامُ توريثِ الوِلَاياتِ مِن أظهرِ أسباب وجودِ الظَّلَمةِ والمستَبِدِّينَ والجَهَلةِ؛ لأنَّهم يعلَمون أنَّ الأمرَ فيهم، وأنَّ ظهورَهم لا يلزَمُ منه العِلْمُ والصلاحُ والتَّقْوى والسياسةُ والأمانةُ، فتَعَطَّلَتْ أسبابُ تحصيلِ الوِلَايةِ؛ لأنَّهم يَرَوْنَ أنفسَهم يَصِلُونَ إليها بالنَّسَبِ فقطْ، والنسبُ ثابتٌ لا يُنزَعُ.

ومِن السَّلَفِ: مَن حمَلَ المعنى على أمرِ الآخِرةِ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ: ﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾: ذلكم عندَ اللهِ يومَ القيامةِ، لا ينالُ عهدَه ظالمٌ، فأمَّا في الدُّنيا، فقد نالوا عهدَ اللهِ، فتوارَثُوا به المسلمينَ وغازَوْهم وناكَحُوهم به، فلمَّا كان يومُ القيامةِ، قَصَرَ اللهُ عهدَهُ وكرامتَهُ على أوليائِه (٢).

* * *


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٢٩٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٢/ ٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>