تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامً على أكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، والتحايُلِ في أخْذِها بكَتْم البيِّناتِ والأدلَّة، وأخذِها بحُكْمِ الحاكمِ؛ في قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة: ١٨٨].
عصمةُ مالِ المسلِمِ ودَمِهِ:
وفي هذه الآيةِ وأمثالِها في القرآنِ: دليلٌ على عِصْمةِ مالِ المُسلِمِ ودمِه، وتوجيهُ الخِطَابِ في الآيةِ إلى الذين آمَنُوا: دليلٌ على أنَّ الأصلَ في أموالِ المسلِمِينَ ودمائِهم العِصْمةُ، وفي دليلِ الخِطابِ: أنَّ الأصلَ في أموالِ المشرِكِينَ ودمائِهم الحِلُّ، إلا ما عَصَمَهُ اللهُ بحُكْمٍ؛ كأهلِ الذِّمَّةِ والعهدِ والأمانِ.
وفي قوله تعالى: ﴿تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾، وقولِه، ﴿تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ إشارةٌ إلى أنْ ينظُرَ المؤمِنُ إلى عِصْمةِ مالِ أخيهِ المسلِمِ؛ كما ينظُرُ إلى عِصْمةِ مالِه هو ودمِه؛ فنفوسُهُمْ وأموالُهُمْ سواءٌ، لا تتفاضَلُ لاختلافِ منازلِهم ومَراتبِهم وأجناسِهم وأعراقِهم؛ فعِصْمةُ مالِ الصغيرِ ودمِه كعِصْمةِ الكبيرِ ودمِه، وعِصْمةُ مالِ المرأةِ ودمِها كعِصْمةِ مالِ الرجُلِ ودمِه، وعِصْمةُ مالِ الضعيفِ ودمِه كعِصْمةِ مالِ الشريفِ ودمِه.
وفي قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ دليلٌ على أنَّ الأصلَ في أعمالِ التجارةِ: الحِلُّ؛ حيت استَثْناها مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطل؛ وهذا قولُ جمهورِ العلماء، وقيَّدَ التجارةَ بالرضا، وليس قيدُ الرضا وحدَه يَمنَعُ مِن تحريمِ التجارةِ؛ فقد تكونُ رِبًا أو غَرَرًا ولو عن