ويُيَسَّرُ في شرطِ الأخذِ بأقوالِ الصحابةِ في التفسيرِ عن شرطِ المرفوعِ إلى النبيِّ ﷺ؛ لاختلافِ قُوَّةِ الاحتجاجِ والتَّبِعَةِ في الوَهمِ والغَلَطِ، ويُشَدَّدُ في مَرْوِيَّاتِ الأحكامِ مِن الحلالِ والحرامِ ولو كانَتْ في سياقِ التفسيرِ، بخلافِ مَرْوياتِ تفسيرِ معاني الألفاظِ وأسبابِ النُّزُولِ؛ لأنَّ الحُكمَ يُشَدَّدُ فيه ولا يُفَرَّقُ في سياقِه ولو كان في ثَنَايا التاريخ أو السِّيرةِ أوِ المَغَازِي أو التَّفسير؛ لبناءِ الحُكمِ عليه، وأمَّا بَقِيَّةُ التفسيرِ فَأمْرُه دونَ ذلك، كما بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا في رسالةِ (التَّقْرِير، في أسانيدِ التَّفْسِير).
أَنْسابُ القولِ:
ويَتأَكَّدُ على المفسِّرِ أن يتتَبَّعَ أُصولَ الأقوالِ وأنسابَها، حتى لا يَقَعَ في الأخذِ بقولٍ مَهْجُورٍ، أو بقولٍ لم يُسبَقْ إليه؛ فإنَّ للأقوالِ أنسابًا تتسَلْسَلُ كأنسابِ الرِّجَال، والحَقُّ لا ينقَطِعُ؛ فلا بُدَّ له مِن قائِلٍ ولو لم يَكُنْ مشهورًا، ورُبَّما كان مِن السلَفِ مَن قالَ بقولٍ شاذٍّ ثُم تُرِكَ القولُ وعُذِرَ القائلُ، فذاكَ قولٌ مهجورٌ لا ينبَغِي اعتبارُه مِن السلَفِ السابقِ؛ لأنَّها زَلَّةٌ متروكةٌ بدلالةِ هَجْرِها؛ لأنَّ السَّلَفَ أهلُ عِلمٍ ودِيانةٍ لا يُطْبِقُونَ على تركِ قولٍ مُعتَبَرٍ ويَهْجُرُونَه إلا وعَلِمُوا مُخالفَتَه الدليلَ.
ومِن التَّلْبِيس على بعضِ المتعَلِّمِينَ أنُ عَطَّلُوا الاقتداءَ بالأئمَّةِ بحُجَّةِ تعظيمِ الأَدِلَّةِ؛ فاستَنْبَطُوا مِن النُّصُوصِ معانيَ لا قائِلَ بها، وهذا أشَدُّ مِنَ الأَخْذِ بالأقوالِ المهجورةِ؛ فتلكَ مَبْتُورةُ الأنسابِ، وهذه لا أَنْسابَ لها وإن تَوَهَّمُوا أنَّها تنتَسِبُ للدليلِ؛ فالدليلُ قد مَرَّ بخَيْرِ عقولِ الأُمَّةِ وقلوبِها، فإذا لم تَحْرُجْ عقولُهم وقلوبُهم بقولٍ منه فهو عَقِيمٌ، فليسَ كُلُّ الأدلَّةِ يولَّدُ منها أقوالٌ.