للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتفاعٌ بها، فانتفاعُهُ بها لا يساوِي قيمتَها في العُرْف، فهو مُسرِفٌ بمقدارِ ما زادَ فيها.

ولا يُوجَدُ شيءٌ مِن المباحِ رخَّصَ الشارعُ في الإسرافِ فيه، وما يذكُرُهُ بعضُ الناسِ ويَرفعونَهُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتارَةً إلى عمرَ: أنَّ مَن أنفَقَ مالَهُ كلَّه أو ثُلُثهُ في الطِّيب، لم يكنْ ذلك سَرَفًا"، فهذا لا أصلَ له.

الجهةُ الرابعةُ: محيطُ الإنسانِ وواقعُهُ؛ فبمِقدارِ ما يُفَوِّتُهُ الفاعلُ مِن الواجبِ عليه بإنفاقِهِ على المباحِ يكون مُسرِفًا؛ إذا كان ليس لدَيهِ إلَّا مالٌ لا يكفي إلَّا لقضاءِ منفعتَيْن، فالإنقاقُ على سترِ العورةِ أوجَبُ مِن إشباعِ النفسِ بالطعام، ولو كان الشَّبَعُ مباحًا؛ لأنَّ سترَ العوث واجبٌ يَفُوتُ بالشِّبَعِ؛ فالإنفاق على الشِّبَعِ سَرَفٌ محرَّمٌ.

ومِثلُ ذلك: مَن يُهدِي إلى الأبْعَدِينَ وهو مفوِّتٌ لواجبِ النفقةِ على الوالدَيْنِ والأهلِ والذريَّة، فهو بإهدائِهِ إلى الأبعَدِينَ مُسرِفٌ.

السَّرَفُ في الطاعاتِ:

ولا يدخُلُ السَّرَفُ في الطاعاتِ ولو أنفَقَ الإنسانُ عليها مالَهُ كلَّه؛ كمَن يبني المساجدَ، ويُطعِمُ الأيتامَ، ويُنفِق مالَهُ في سبيلِ الله، وقد أنفَقَ أبو بكرٍ مالَهُ كلَّه، ولم يُنكِرْ عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَعُدَّ ذلك سَرَفًا، وقد ذكَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يفضُلُ العملَ في ذي الحِجَّةِ إلَّا مَن خرَجَ بنفسِهِ ومالِهِ ولم يَرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ (١).

ويخرُجُ مِن ذلك؛ مَن يُسرِفُ على ما يَتخلَّلُ الطاعةَ ممَّا ليس منها؛ كمَن يبني المساجدَ ويُسرِفُ في تحليتِها وتصفيرِها، وكذلك مَن يَطبعُ


(١) أخرجه البخاري (٩٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>