للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى زمنٍ، ومِن بلدٍ إلى بلدٍ، فتختلِفُ الآلةُ بحسَبِ البُلْدانِ؛ فمِنهم مَن يستعمِلُ المكعَّباتِ، ومنهُمُ الشِّطرَنْجَ، ومِنهمُ الحَصَى، ومِنهمُ السِّهَامَ، ومِنهم آلاتٍ إلكترونيَّةً أو أوراقًا حديثةً.

وأشدُّه تحريمًا: ما يضمَنُ الرِّبْحَ فيه واحدٌ بعَيْنِه، ويَخسَرُ الباقونَ، فهذا جمَعَ لَعْنَ الرِّبا وشِدَّةَ المَيْسِرِ، وهو أن يَقُومَ أحدٌ بجَمْعِ الأموالِ مِن الناسِ ليُعطِيَ واحدًا منهم بعضَها، وهو بنَفْسِهِ واحدٌ منهم، فيأخُذُ مِن المالِ حقَّ جمعِهِ ورعايتِه، ويُعطِي واحدًا مِنهم بالقُرْعةِ جُزءًا منها، فهو رابحٌ في كلِّ حالٍ، وهذا ما تفعَله الشَّرِكاتُ والمؤسَّساتُ.

والشريعةُ إنَّما حَرَّمَتِ المَيسِرَ؛ لأنَّه أخذٌ للمالِ بصورةٍ باطلةٍ ولو رَضِيَها الإنسانُ؛ لِمَا تتضمَّنُهُ مِن أخذِ المالِ بلا حقٍّ ومعاوَضةٍ، والمالُ محتَرَمٌ، فكما حَرَّمَ اللهُ إتلافَهُ وحَرْقَه، فقد ضبَطَ اللهُ التعامُلَ فيه، فلا يُؤخَذُ إلَّا بمبادَلةٍ شرعيَّةٍ، أو عن طِيبِ نفسِه بهِبَةٍ أو عطيَّةٍ أو صَدَقةٍ.

وقولُه تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.

النَّفْعُ, ما يَجِدونَهُ في الخمرِ والميسِر مِن تجارةٍ ورِبْحٍ، وتسليةٍ وإهدارِ وقتٍ.

نفعُ الخمرِ والميسِرِ وإثمهما:

واستَعمَلَ في الآيةِ قولَهُ: "النَّفْعَ" في بيانِ الخيرِ فيهما، و"الإثمَ" في بيانِ الشرِّ، وما يُقابِلُ النَّفْعَ هو الضرُّ؛ لأنَّ النَّفْعَ عاجِلٌ، ولا يَلزَمُ مِن الانتفاعِ الإثابةُ عليه في الآخِرةِ، وأمَّا الإثمُ: فيَلزَمُ منه الشرُّ في الدُّنيا، والعقابُ في الآخِرةِ.

ويَظهَرُ في هذا: التخويفُ، وأنَّ النَّفْعَ إنَّما هو عاجِلٌ زائِلٌ، والشرَّ غالبٌ، والإثمَ باقٍ، واستعمالُ الترهيبِ والوعظِ والتخويفِ مِن العاقبةِ يُحْيي الإيمانَ ويُوقِظُه، واستعمالُ الموازينِ الماديَّةِ لإحقاقِ الحقِّ وتبيينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>