وفي الآيةِ: شدةُ التحرِّي عندَ إعطاءِ اليتيمِ مالَهُ في قوله: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾، والابتلاءُ هو الاختبارُ المتكرِّرُ الذي يَثْبُتُ معه المرادُ بيقينٍ، والاختبارُ في متابعةٍ وتَحَرٍّ، وظاهرُهُ: أنْ يُختبَرَ في إحسانِ التصرُّفِ بالمال، فيُعطَى مالًا يسيرًا لا يَضُرُّ إفسادُهُ؛ سواءٌ كان مِن مالِ اليتيمِ أو مالِ الوليِّ، ومِن مالِ الوليِّ أَوْلى، ومِن مالِ اليتيمِ جائزٌ.
ولا فرقَ في ذلك بينَ ذُكُورِ الأيتامِ وإناثِهم عندَ الأئمَّةِ الأربعة، خلافًا لمالكٍ في قولٍ؛ فيَرَى أنَّ المرأةَ لا يسْتَبِينُ رَشدُها، إلَّا بعدَ تزويجِها، فيُؤنَسُ منها مع كثرةِ العِشْرةِ رشدٌ، وهذا تفصيلٌ منه، والعِبْرةُ بعمومِ الدليلِ.
الأكلُ مِن مالِ اليتيمِ:
ونَهَى اللهُ الأولياءَ والأوصياءَ عن مسابقةِ اليتيمِ بأكلِ مالِهِ قبلَ بلوغِهِ ورُشْدِه؛ حتى لا يُدرِكَ ما فاتَ مِن مالِهِ وما بَقِيَ منه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾؛ لأنَّ اليتيمَ إذا بلَغَ، عَرَفَ ما نَقَصَ مِن مالِه وما فَسَدَ عليه منه؛ فيأكُلُ منه قبلَ كِبَرِهِ وإدراكِه.
وفي تقييدِ الأكلِ بالسَّرَفِ والمبادرةِ: دليلٌ على جوازِ الأكلِ في غيرِ سَرَفٍ ولا قَصْدِ الإضرارِ عندَ الحاجةِ، وهذا محدودٌ مضبوطٌ في قولِه تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
فأمَرَ الغنيَّ بالعفافِ، وهو التورُّعُ والاحترازُ عن أكلِ مالِ اليتيمِ مِن غيرِ حاجةٍ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ وعائشةُ ومجاهدٌ والحسنُ وأَكثرُ المفسِّرينَ.
وقال بعضُ المفسِّرينَ؛ كيحيى بنِ سعيدٍ وربيعةَ: إن المرادَ بالغنيِّ في الآيةِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا﴾؛ يعني: مِن الأيتام، أُنفِقَ عليه بحسَبِ حالِه؛