للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَمْرَدِ، وكذلك في النساءِ، فَنَظَرُهُنَّ بَعْضِهِنَّ إلى بعضٍ بشهوةٍ داخلٌ في هذا البابِ.

وأمَّا ما يحتجُّ به بعضُ أهلِ الأهواءِ على جوازِ سفورِ المرأةِ لأنَّ اللَّهَ أمَرَ الرجالَ بغضِّ البصرِ؛ لأنَّه لو لم يَكُنَّ كاشفاتٍ، لم يأمُرِ الرجالَ بغضِّ أبصارِهم، فهذا غلطٌ؛ وذلك لأنَّ اللَّهَ نَهَى عن نظرِ الرجلِ لا إلى موضعِ معيَّن مِن المرأةِ، وإنَّما نَهى نهيًا عامًّا لكلِّ ما يحرُمُ النظرُ إليه، وما لم يحرُمِ النظرُ إليه إذا كان فيه فِتْنةْ كنظرِهِ الى لِبَاسِها وشَخْصِها طُولًا وعَرْضًا، وكذلك في نظرِ الرجلِ إلى الرجلِ الذي مثِلُهُ يُفتَنُ به، فلو قيل بذلك، لجاز القولُ: إنَّ الرجالَ والنساءَ يجوزُ لهم كشفُ ما يشاؤونَ مِن أبدانِهم؛ لأنَّ اللَّهَ أمَرَ بغضِّ البصرِ، ولا يأمُرُ بغضِّ البصرِ إلَّا عن شيءٍ مكشوفِ السترِ، فلا تلازُمَ عندَ العلماءِ بينَ عَوْرةِ السَّتْرِ وعورةِ النَّظَرِ؛ فقد يأمُرُ اللَّه بغضِّ البصرِ عن شيءٍ أمَرَ بسَتْرِه؛ كسَتْرِ المرأةِ عن غيرِ مَحْرَمِها، وعورةِ الرجالِ عن الرجالِ، وقد يأمُرُ بغضِّ البصرِ عن شيءٍ لم يأمُرْ بسَتْرِه؛ كشاخصِ المرأةِ، وكما قد يُوجَدُ في بعضِ النفوسِ المريضةِ مِن ميلِ إلى بعضِ نسائِه مِن مَحَارِمِهِ، كأُختِهِ وعمَّتِهِ وخالتِهِ وبنتِه، فاللَّهُ أمَرَهُ بغضِّ بصرِهِ عمَّا يَفتِنُهُ منهنَّ ممَّا أجازَ لهُنَّ إظهارَهُ، ولا تناقُضَ ببنَ نصوص الكشفِ ونصوصِ النظرِ؛ فلكلٍّ جهتُهُ وموضعُهُ؛ ولهذا قال : (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ)؛ رواهُ مسلمٌ عن أبي سعيدٍ (١)؛ فنَهَى اللَّهُ الرجُلَ عن النظرِ إلى عورةِ الرجلِ، مع أمرهِ الرجلَ بسَتْرِ عورتِهِ؛ كما في الحديثِ عند أحمد وأهلِ السُّننِ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِن زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (٢)، فذاك حُكْمُ الناظرِ، وهذا حُكْمُ المنظورِ.


(١) أخرجه مسلم (٣٣٨).
(٢) أخرجه احمد (٥/ ٣)، وأبو داود (٤٠١٧)، والترمذي (٢٧٦٩)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٨٩٢٣)، وابن ماجه (١٩٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>