للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منِّي تَفِرُّ؟ فَلَمَّا سَمِعَ كَلامَ الرَّحْمَن، قَالَ: يَا رَبّ، لا، وَلَكِنِ اسْتِحْيَاءً (١).

وجاءَ ذلك في بعضِ الإسرائيليَّاتِ؛ كما قال وهبُ بن مُنَبِّهِ: "دخَلَ آدمُ فِي جَوْفِ الشَّجَرَة، فَنَادَاهُ رَبُّهُ ﷿: يَا آدمُ, أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا هَذَا يَا رَبِّ، قَالَ: أَلَا تَخرُجُ، قَالَ: أَسْتَحْيِيِ مِنْك يَا رَبِّ" (٢).

وكان بعضُ خِيارِ السلفِ يَستتِرُونَ فيُغطُّونَ رؤوسَهُمْ وهم في الخلاءِ حياءً مِن اللهِ؛ كما صحَّ عن أبي بكرٍ وطاوسٍ، فقد روى عروةُ بن الزبير، عن أبيه، أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ قال وهو يخطُبُ الناسَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اسْتَحْيُوا مِنَ الله، فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِه، إِنِّي لَأظَلُّ حِينَ أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ فِي الْفَضَاءِ مُغَطِّيًا رَأْسِي؛ اسْتِحْيَاءً مِنْ رَبِّي (٣).

وكان طاوسٌ يأمُرُ ابنَهُ بذلك (٤).

وجاءَ في ذلك خبرٌ مرسَلٌ عندَ البيهقيّ، ومِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا، ولا يصحُّ، ونَصَّ على استحبابِهِ غيرُ واحدٍ مِن الفُقَهاءِ كإمامِ الحرَمَينِ والغزاليِّ والبغويِّ وغيرِهم.

الثاني: حياءً مِن الملائكةِ؛ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدمَ؛ كما جاءَ في الحديث، وممَّا يتأذَّى منه بنو آدمَ: بُدُوُّ السَّوْءَةِ؛ وذلك مِن مقاصدِ قيامِ الفِطْرةِ في آدمَ وحوَّاءَ وذرَيَّتِهما، وحبِّهما للاستِتارِ في الجنةِ وليس فيها مِن البَشَرِ غيرُهما.

وقد دلَّ الدليلُ: أنَّ الملائكةَ مجبولةٌ على الحياءِ كبني آدمَ؛ كما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٨٧ - ٨٨).
(٢) أخرجه بن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٤٥٣).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١١٢٧).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>