للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال - صلى الله عليه وسلم -: (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلَاِئكَةُ) (١)؛ يعني: عثمانَ بنَ عفَّانَ.

الثالثُ: الاستِتارُ عن الناس، والحياءُ منهم؛ فإنَّ هذا مِن أعظَمِ مقاصدِ اللِّبَاسِ واتِّخاذِ الزِّينة، ولهذا لمَّا سأَلَ معاويةُ بن حَيْدَةَ عن العَوْراتِ، كان أوَّلَ ما بدَأَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حفظُ العوراتِ عن أَعْيُنِ الناسِ.

ومَن حازَ له أن يُبدِيَ عورتَهُ له، فيكونُ ذلك بقَدْرِ الحاجةِ؛ حفظًا لفِطْرةِ أصلِ الاستِتارِ؛ ولذا شُرعَ سترُ عورةِ الطفلِ وليس له عورةٌ لكلِّ الناظِرِينَ، ولو كان مولودًا، لتُحفَظَ هَيْبةُ العورةِ في نفسِه، ومِن هذا ما جاءَ في التفريقِ بينَ الأطفالِ في المَضاجِعِ؛ كما في قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: (وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (٢)؛ فإنَّ مِن مقاصدِ التفريقِ: ألَّا تبدوَ العوراتُ؛ فإنَّ الصغيرَ لا يَحترِزُ في عورتِهِ في مَنامِهِ كما يَحترِزُ الكبيرُ، فأمَرَ بالتفريقِ بينَهمْ في المَضاجِعِ حتى لا تَظهَرَ سَوْءَاتُ بعضِهم لبعضٍ، فيَنشؤوا على ذلك، أو يكونَ ذلك مُثيرًا لغرائزِهم في حَرَامٍ.

وكذلك: فإنَّه يُستحَبُّ لباسُ الزوجَينِ عندَ بعضِهما البعض مِن غيرِ دواعِي الحاجةِ إلى ذلك، وذلك حِفْظًا للفِطْرةِ بينَهما، ولِوَازِغِ الحياءِ أنْ يُكسَرَ.

الرابعُ: الاستِتارُ عن الجنِّ؛ وذلك أنَّ الجِنَّ يُبصِرُونَ بني آدمَ، وبنو آدمَ لا يُبصِرُونَهم؛ وذلك أنَّ اللهَ لمَّا ذكَرَ قصةَ آدمَ وحوَّاءَ مع إبليسَ وما جَرَى عليهما مِن كشفِ سَوْءَتَيهِما، ذكَرَ اللهُ حالَ رؤيةِ الجنِّ للإنسانِ مِن غيرِ أنْ يَرَاهُ: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧] ,


(١) أخرجه مسلم (٢٤٠١).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ١٨٧)، وأبو داود (٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>