للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا يَعمَلُ وَيقضِي الخلفاءُ، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-؛ قال: قال عمرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ (١).

ولم يَختلِفِ الفقهاءُ في ذلك، وقد ظهَر في الزمنِ المتأخِّرِ مَنْ أدرَكَهُ وَهَنُ الغربِ، والْتمَسَ مِن الفهومِ ما يُذلِّلُ به ما يتوهَّمُهُ من قسوةِ الشريعةِ على الفجورِ والظُّلْمِ، فقالوا ببُطْلانِ الرَّجْمِ، وأنَّه ليس مِن الحدودِ، ومنهم مَن نفَى شرعيَّتَةً، ولا يُوجَدُ مَن تشرَّبَ اللَّيبراليَّةَ إلَّا أصابَهُ وَهَنُ الغربِ في إضعافِ المحرَّماتِ، فرَقَّتْ في قلبِهِ عظَمةُ الزِّنى، ورَقَّ في قلبِهِ منزِلةُ الحجابِ والاختلاطِ بالنِّساءِ، فمَن ضَعُفَ في قلبِهِ منزِلةُ الزِّنى وبشاعتُه، ضَعُفَتْ في قلبِهِ منزِلةُ حدودِه، فاستكثَرَ واستعظَمَ الحدَّ على ما رَقَّت منزلتُهُ في قلبِه، ولو نطَق بخلاتِ ذلك تهيُّبًا للشريعةِ.

ويدُلُّ على أنَّه لا يُنكِرُ حدَّ الرجمِ إلَّا مَن كانتْ منزِلةُ الزِّنى في قلبِهِ ليستْ منزلتَهُ في الشريعةِ والفِطْرةِ الصحيحةِ: أنِّي لم أرَ أحدًا ممَّن أنكَرَ الرجمَ اليومَ ولو كان ممَّن يُظهِرُ التديُّنَ والفقهَ إلَّا وذرائعُ الزِّنى هيِّنةٌ في قلبِهِ كالححابِ والاختلاطِ والخَلْوةِ، ومِن علاماتِ ضَعْفِ بشاعةِ الزِّنى: ضَعْفُ ذرائعِهِ في النَّفسِ؛ فإنَّ هوانَ الوسائلِ يدُلُّ على هوانِ الغاياتِ، وهوانُ الغايةِ يدفعُ الى استعظامٍ واستبشاعِ الرجمِ عليها، والزِّنى أهونُ الأفعالِ اليومَ في الغربِ؛ يُشرِّعونَهُ ولا يُحرِّمونَهُ، ولكثرتِهِ وانتشارِهِ فيهم وتشريعِهِ في محاكمِهم؛ لا يَتصوَّرونَ عقوبةً تقعُ على مِثْلِ ما شاعَ فيهم ورأَوْهُ في أنفْسِهم.


(١) أخرجه البخاري (٦٨٢٩)، ومسلم (١٦٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>