للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأظهَرُ: أنَّه لا يجوزُ تزويجُ العفيفِ الزانيةَ، ولا الزاني العفيفةَ؛ وهذا قولُ أحمدَ وجماعةٍ مِن السلفِ؛ كالحسَنِ وقتادةَ.

وأمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ: جاءَ رجُلٌ إلى رسولِ اللَّهِ ، فقال: إِنَّ عِنْدِي امْرَأَةَ، هِيَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَهِيَ لَا تَمَنَعُ يَدَ لَامِسٍ؟ ! قَالَ: (طَلِّقْهَا)، قَالَ: لَا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ: (اسْتَمْتِعْ بِهَا)، فقد رواهُ أبو داودَ والنَّسَائيُّ (١)، وقال أحمدُ: حديثٌ منكَرٌ (٢)، وقال النَّسَائيُّ: ليس بثابتٍ (٣)، ولو صحَّ، فليسِ المرادُ بذلك الزِّنى على الأرجحِ؛ فقد حمَلَهُ بعضُهم على السَّخَاء المُسرِفِ الذي يُهدِرُ مالَ الزَّوْج؛ وبهذا قال الأصمعيُّ وأحمدُ (٤)، والنبيُّ لا يُقِرُّ رجلًا أن يكونَ دَيُّوثًا، فقد جاءَهُ مَن يتَّهِمُ زوجتَهُ في الزِّنى، فقال له: (البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ) (٥).

وأمَّا تزويجُ الزانيَيْنِ بعضِهما مِن بعضٍ، فأكثرُ السلفِ على جوازِه، وقال ابنُ عبَّاسٍ (٦) وابنُ عمرَ (٧): "أولُه سفاحٌ، وآخِرُه نكاحٌ".

وصحَّ عن ابن المسيَّبِ وعلقمةَ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ وعطاءٍ ومجاهِدٍ، وقال عِكْرمةُ: "هو بمنزِلةِ رجلٍ سرَقَ نخلةً ثمَّ اشتراها" (٨).

ومنَعَ من تزويجِ الزانيَيْنِ بعضِهما مِن بعضٍ بعضُ السلفِ، وليس كلُّ مَن قال بمنعِ نكاحِ الزانيَيْنِ ببنَهما جعَلَهُ مؤبَّدًا، بل الصحيحُ عندَهم: عدمُ تأبيده؛ وإنَّما في حالِ عدمِ التوبةِ، ومِن السلفِ: مَن يَرى منعَ الجمعِ ببنَ مجلودَيْنِ في حدِّ الزِّنى.


(١) أخرجه أبو داود (٢٠٤٩)، والنسائي (٣٢٢٩).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٦/ ١٢).
(٣) "سنن النسائي" (٣٢٢٩).
(٤) "التلخيص الحبير" (٣/ ٢٢٦).
(٥) "أخرجه البخاري (٢٦٧١).
(٦) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٢٧٨٧)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٦٧٧٩).
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٦٧٨٢).
(٨) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٦٧٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>