للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أحمدُ بنُ حنبلٍ لا يَرَى صحةَ العقدِ الذي يكونُ بينَ عفيفٍ وزانيةٍ، أو عفيفةٍ وزَانٍ.

ويُروى عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّ طُرُوءَ الزِّنى يَفسَخُ النكاحَ.

وذهَبَ الجمهورُ: إلى الجوازِ، وكَرِهَهُ مالكٌ والشافعيُّ، ولم يُحرِّماه.

والصحيحُ عن ابنِ عبَّاسٍ: عدمُ فَسْخِه، وحملُ الآيةِ على الزِّنى لا النكاحِ بعقدٍ صحيحٍ؛ قال: "ليس هذا بالنكاحِ؛ وإنَّما هو الجِمَاعُ؛ لا يَزني بها إلَّا زانٍ أو مشرِكٌ" (١).

ومِن القرائنِ الدالَّةِ على تصويب مرادِ ابنِ عبَّاسٍ هذا، وأنَّ المقصودَ بالنكاحِ: وَطْءُ الزِّنى: ذِكْرُ الإشراكِ في الآيةِ، فلا يَحِلُّ لمسلمٍ زانٍ أنْ يَنكِحَ مشرِكةً ولو عفيفةً عن الفاحشةِ؛ لأنَّ اللَّهَ قال: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١]، فقال: ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾، ولم يقُلْ: حتى يَعْفِفْنَ أو يُحْصَنَّ، ومِثلُهُ فإنَّ الزانيةَ لا يَحِلُّ لها نكاحُ المشرِكِ ولو كان عفيفًا مِن الفاحشةِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾، فقال: ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾، ولم يقُلْ: حتى يُحصَنُوا أو يَعِفُّوا.

وحملُ النكاحِ في الآيةِ على النكاحِ الصحيحِ مُحتمِلٌ أيضًا؛ فقد جاءتْ رواياتٌ عديدةٌ في أسبابِ نزولِ الآيةِ في أقوامٍ أرادُوا الزواجَ مِن زانياتٍ يَعرِفونَهُنَّ في الجاهليَّةِ، فمُنِعُوا مِن ذلك، وحملُ الآيةِ على معنَيْينِ لاستيعابِ وإصلاحِ أمرَيْنِ في الناسِ واردٌ، وتَقتضيهِ سَعةُ ألفاظِ الوحيِ واعجازُ لغةِ القرآنِ.


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>