للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: ٦٠]، وقال تعالى: ﴿كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: ١٦٨] فإنَّ كمالَ الاستمتاعِ إمَّا أن يُصاحِبَهُ شُكرٌ وعملٌ صالحٌ، أو يُصاحِبَهُ كفرٌ وعملٌ فاسدٌ؛ فإنَّ لَذَّةَ الحلالِ ومُتعتَهُ تُنسِي بعضَ العبادِ ما شَرَعَ الله، وتذكِّرُ بعضَ العِبادِ شُكْرَ نعمةِ الله، ولمَّا كان أكلُ الحلالِ سببًا للبَغْيِ ونِسيانِ نعمةِ اللهِ عندَ الكافِرِينَ والظالِمِينَ آخَذَهُم اللهُ به وحاسَبَهُم عليه؛ لهذا قلَّما يذكُرُ الله في كتابِه أكلَ الطيِّباتِ إلَّا ويَقرِنُهُ بأحدِ اللازمَينِ منه: الأمرِ بالشُّكرِ والطاعة، أو التحذيرِ مِن الكُفرِ به واتِّخاذِهِ سبيلًا لمعصيتِه، والنهيُ لا لِذَاتِه؛ فإنَّه حلالٌ؛ وإنَّما لِما أدَّى إليه مِن عملِ حرامٍ، وغفلةٍ عن الطاعة، وانشغالٍ بالمعصيةِ؛ فإن الأُمَمَ الكافرةَ ما غفَلت عن اللهِ إلَّا بسببِ الاستمتاعِ بالطيِّبات، فشغَلَتهُم عن حقِّ اللهِ عليهم؛ كما قال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ويَلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: ٣] وقال عنهم: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ [المرسلات: ٤٦].

ولهذا فسَّرَ غيرُ واحدِ مِن الصحابةِ هذه الآيةَ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾: بالتقوَى واجتناب المحرَّماتِ؛ كما في ظاهرِها: ﴿إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ كما جاء ذلك عن عمرَ بنِ الخطَّابِ (١).

ومِن السلفِ والفُقَهاءِ: مَن ذكَرَ بعضَ أنواعِ التَّقوَى الواجِبةِ في المالِ؛ كالزكاةِ والصدقةِ والهديةِ والصِّلةِ.

ومِن علامةِ اتِّخاذِ الطيِّباتِ سبيلًا إلى الحَرَامِ الأسرافُ في الاستمتاعِ بها، كما قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: ٣١].

* * *


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>