للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جوَّز مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمدُ: تزويجَهُ؛ لأنَّ الزواجَ إصلاحٌ له وتقويمٌ وتثبيتٌ، وإعانةٌ له في تدبيرِ شأنِهِ ورعايتِه.

والشافعيُّ لا يَرَى في التزويجِ إصلاحًا إلَّا مِن جِهةِ دفعِ الحاجةِ، ولا حاجةَ قبلَ البلوغِ.

والأظهَرُ: جوازُ إنكاحِهِ إذا كان في ذلك صلاحُ أمرِهِ وشأنِهِ ورِعَايتُه، وصيانةُ عِرْضِهِ وسَترُه، وحِفْظُ مالِه، ويدخُلُ في ذلك ما يَتبَعُ التزويجَ مِن نفقةِ العُرْسِ ووَلِيمَتِهِ وضَرْبِ الدُّفِّ، وتطبيبِ الزَّوْجةِ عندَ مَرَضِها، ونَفَقتِها، ونحو ذلك.

قال ابنُ كِنَانةَ: "وله أنْ يُنفِقَ في عُرْسِ اليتيمِ ما يصلُحُ مِن صنيعٍ وطِيبٍ، ومصلَحَتُهُ بقَدْرِ حالِهِ وحالِ مَن يزوَّجُ إليه، وبقدرِ كَثْرةِ مالِهِ" (١).

* * *

قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١].

هذه الآيةُ نصٌّ في تحريمِ نكاحِ المشرِكاتِ، وقد كان للصحابةِ في أولِ الأمرِ قراباتٌ مِن المشرِكينَ، وجاءتِ الآيةُ بعد الوصيَّةِ بإصلاحِ مالِ اليتيمِ؛ لأنَّ في أبناءِ المشرِكينَ قراباتٍ أيتامًا قُتِلَ آباؤُهُمْ يومَ بَدْرٍ وغيرَهُ، وفيهم ذكورٌ وإناثٌ، والأصلُ بقاؤُهُمْ على مِلَّةِ آبائِهم، حتى يستبِينَ أمرُهم، فَبيَّنَ اللهُ حُكْمَ نكاحِ المشرِكينَ وإنكاحِهم.

والزواجُ مِن أظهَرِ صُوَرِ المخالَطةِ والمقارَبةِ، وقد حَرَّمَهُ اللهُ مِن المشركينَ على أيِّ وجهٍ.


(١) ينظر: "تفسير القرطبي" (٣/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>