للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابنُ جريرٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَمةَ؛ قال: سُئِلَ عليٌّ عن قولِ اللهِ ﷿: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾: "فإذا أُحصِرَ الحاجُّ، بعَثَ بالهَدْيِ، فإذا نحَرَ عنه، حَلَّ، ولا يَحِلُّ حتَّى يَنحَرَ هَدْيَهُ" (١).

وروى إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ في "تَفسيرِه"، والبخاريُّ معلَّقًا في "صحيحِهِ"، عن مجاهِدٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ : "إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَن نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أوْ غَيْرُ ذلك، فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ، نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، وَإنِ اسْتَطَاعَ أنْ يَبْعَثَ بِهِ، لم يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" (٢).

ومِن العلماءِ مَن قال: إنَّ النبيَّ نحَرَ هَدْيَهُ في الحَرَمِ يومَ الحديبيةِ؛ وهو قولُ عَطَاءٍ، ومحمَّدِ بنِ إسحاقَ؛ وفيه نَظرٌ؛ فالحديبيةُ ليست كلُّها مِن الحَرَمِ على الصحيحِ، بل منها مِن الحَرَمِ، ومنها مِن غيرِه، والنبيُّ نحَرَ خَارِجَهُ؛ قالَهُ الشافعيُّ، وقريشٌ أرادَتْ صَدَّهُ عن حدودِ الحَرَمِ، وهي تَعرِفُ حدودَهُ، ورُوِيَ في أحاديثَ أنَّ النبيَّ بعَثَ بهَدْيِهِ إلى حدودِ الحَرَمِ، ورُوِيَ أنَّ اللهَ أمَرَ رِيحًا، فأَخَذَتْ شعورَ الهَدْيِ، فأدخلَتْهُ الحرَمَ، وفيها نَظَرٌ، ولو كان ذلك لاشتَهَر.

ولو كان النبيُّ ذبَحَ في الحرَمِ مِن الحديبيةِ، ما جعَلَ اللهُ الصَّدَّ صَدًّا عن الحَرَمِ؛ حيثُ قال: ﴿وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥]، ومَحِلُّ الهَدْيِ الحرَمُ، ولمَّا كانَ في غيرِ مَحِلِّهِ، فهو في غيرِ الحَرَمِ.

ورُوِيَ عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عَن مجاهدٍ؛ في قولِه: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾: "يَمْرَضُ إنسانٌ أو يُكْسَرُ، أو يَحبِسُه أمرٌ، فغلَبَهُ كائنًا ما كان، فَلْيُرْسِلْ بما استيسَرَ مِن الهَدْيِ، ولا يَحلِقْ رأسَهُ، ولا يَحِلَّ، حتَّى يومِ النَّحْرِ" (٣).


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٦٧).
(٢) "صحيح البخاري" (٣/ ٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>