للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصلُ في أقوالِ التابعينَ: أنَّ مُستنَدَها الوقفُ على الصحابةِ؛ إمَّا عن واحدٍ أو عن جماعةٍ؛ ولهذا يقولُ أحمدُ بنُ حنبلٍ: "لا يكادُ يجيءُ عن التابعينَ شيءٌ إلَّا يُوجَدُ فيه عن أصحابِ النبيِّ " (١).

إنَّما عُظِّمَتِ القرونُ المفضَّلةُ الأُولى؛ لقُرْبِها مِن النبيِّ ؛ فعُظِّمَ الزمانُ بتعظيمِه.

وقولُه تعالى: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)﴾، فيه: أنَّ مِن أعظَمِ ما يُحبِطُ الأعمالَ: عدمَ تعظيمِ سُنَّةِ النبيِّ ؛ بالإعراضِ عنها عندَ سماعِها، أو رفعِ الصوتِ عندَها، أو تقديمِ أقوالِ الرِّجالِ عليها.

وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ السيِّئاتِ تُحبِطُ قَدْرًا مِن الحسناتِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك.

* * *

* قال اللَّهُ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)[الحجرات: ٦].

أمَرَ اللَّهُ بالتثبُّتِ في روايةِ الأخبارِ والأقوالِ، وكلَّما كان أثرُ الخبرِ عظيمًا على الناسِ، كان التثبُّتِ فيه أعظَمَ وأوجَبَ، وأوجَبُ الأقوالِ أنْ يُتثبَّتَ فيها: هي الأقوالُ المنقولةُ عن اللَّهِ ورسولِه؛ وذلك أنَّ أعظَمَ الكذب هو الكذبُ على اللَّهِ؛ قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (٥٠)[النساء: ٥٠]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩)[يونس: ٦٩]، ووصَفَ اللَّهُ مَن افتَرَى عليه الكذبَ بعدم الإيمانِ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥)[النحل: ١٠٥].


(١) "العدة في أصول الفقه" (٢/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>