للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الإنسانُ يَضبِطُ ساعتَهُ الزمنيَّةَ وساعتَهُ الآليَّةَ كلَّما اختَلَّتْ على ضبطِ اللهِ لسَيْرِ الشمسِ والقمرِ المنضبِطِ منذُ أوَّلِ الخَلْقِ، ثمَّ هو يُفاخِرُ ويتكبَّرُ على اللهِ بدقتِهِ: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧].

وأولُ الإنسانِ لا يَعرِفُ معنى الأهِلَّةِ، والحِكْمةَ مِن إيجادِها وتنوُّعِها، وآخِرُهُ يُفاخِرُ ويُكابِرُ على الله بدقَّتِه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: ١٥].

روى ابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ سعيدٍ، عن قَتَادةَ؛ قولَه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ قال قَتَادةُ: "سألُوا نبيَّ اللهِ عن ذلكَ: لِمَ جُعِلَتْ هذه الأَهِلَّةُ؟ فأنزَلَ اللهُ فيها ما تَسْمَعُونَ: ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾، فجعَلَها لِصَوْمِ المسلِمِينَ ولإفطارِهِم، ولِمَناسكِهم وحجِّهم، ولِعِدَّةِ نسائِهم، ومَحَلِّ دَيْنِهم، في أشياءَ، واللهُ أعلمُ بما يُصلِحُ خَلْقَه" (١).

ورواه عنِ العَوْفِيِّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ (٢).

وعباداتُ الخَلْقِ مركَّبةٌ مِن فِعْلٍ وزمَنٍ؛ ولهذا جاءتِ الشرائِعُ بِضبطِ الفعلِ بصفةٍ، وتحديدِ الزَّمَنِ بوقتٍ منه.

واللهُ إنَّما أعلَمَ الناسَ بما يحتاجُونَ إليه في ظاهرِ الأمرِ مِن الأهِلَّةِ، ويُبْصِرونَ حكمتَهُ لو تأمَّلُوا بأدنى تأمُّلٍ، وترَكَ ما دون ذلك ممَّا دَقَّ مِن منافعِ الأهِلَّةِ الذي ربَّما لا تُدرِكُهُ عقولُهم حينَها، ويستعصِي عليهم فهمُه، وربَّما شكَّكُوا في صدقِه.

وبهذا المَنهَجِ يتأسَّى العالِمُ في تعليمِ الناسِ ونفعِهم؛ يُزِيلُ الإشكالَ، ويَغرِسُ الإيمانَ، ولا يخوضُ فيما يتسبَّبُ في عكسِ مقصودِهِ من غرسِ الشكِّ والجحودِ.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٨٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٨٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>