للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾، وقال مِثْلَ ذلك في الشُّعَراءِ ويُونُسَ، وقال هودٌ لقومِهِ: ﴿يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [هود: ٥١]، وقال مِثلَ ذلك في سورةِ الشُّعَراء، وقالهُ مِثلَه صالحٌ ولُوطُ لقومِهما فيها.

وقد ذكَرَ اللهُ في كتابِهِ إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ ونُوحًا وداودَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ ويوسُفَ ومُوسى وهارونَ وزكريَّا ويحيى وعيسى وإلياسَ وإسماعيلَ والْيَسَعَ ويونُسَ ولوطًا، ثُمَّ قال للنبيِّ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعام: ٩٠]، وقال للنبيِّ : ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٥٧)[الفرقان: ٥٧].

وأمَرَ اللهُ نبيَّه بعدمِ سؤالِ الناسِ شيئًا؛ حتى لا يظُنُّوا له طمعًا فتَنصرِفَ قلوبُهُنم عنه ولو كان متجرِّدًا في نفسِه، وقد قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، وقال: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [سبأ: ٤٧].

والحِكْمةُ مِن عدمِ سؤالِ الأنبياءِ مالًا وأجرًا مِن قومِهم أمورٌ، أظهَرُها أمرانِ:

الأولُ: أنَّ الناسَ تَزهَدُ فيمَن يأخُذُ مالًا على دَعْوتِه؛ لأنَّهم يشُكُّونَ في قَصْدِه، ويظُنُّونَهُ يطلُبُ دُنيا عاجلةً ورِفْعةً وعلوًّا وجاهًا، ويَعرِفونَ المتجرَّدَ مِن قِلَّةِ طَمَعِهِ فيهم، وسؤالِهِ الحاجاتِ منهم، وتشوُّفِهِ إلى ما في أيدِيهِم، وقد قال الرجلُ الذي جاء مِن أَقْصى المدينةِ: ﴿يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)[يس: ٢٠ - ٢١]؛ فاستدَلَّ على صِدْقِهم بعَدَمِ طَمَعِهم، ومَنِ اعتادَ أحدَّ الأجرِ على دَعْوتِهِ ونُصْحِه، واحتاجَ إلى هذا العطاءِ وتعلَّقَ به، تكلَّفَ في حديثِهِ وفِعْلِهِ حتى يُعطِيَهُ الناسُ، وأخَدَ يقولُ ما لا يُحِبُّهُ ويُؤمِنُ به ما دامَ الناسُ الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>